ما وراء اليوم العالمي للمرأة: هل تحتاج النساء إلى يوم واحد ليُعترف بهن أم إلى مجتمع يعترف بحقوقهن كل يوم؟

ما وراء اليوم العالمي للمرأة: هل تحتاج النساء إلى يوم واحد ليُعترف بهن أم إلى مجتمع يعترف بحقوقهن كل يوم؟
كتبت/ ريم الربيعي
يأتي اليوم العالمي للمرأة كل عام محمَّلًا بالشعارات المعتادة، بالورود والكلمات المنمَّقة، لكنه يترك خلفه السؤال الأهم: هل تحتاج النساء إلى يوم واحد ليُعترف بهن أم إلى مجتمع يعترف بحقوقهن كل يوم؟
في كل عام، تُغدَق على النساء عبارات مثل: "أنتِ نصف المجتمع"، و"وراء كل رجل عظيم امرأة"، و"المرأة رمز الحب والعطاء"، ولكن ما الذي يتغير فعليًا بعد انتهاء هذا اليوم؟ هل تُمنَح النساء فرصًا متساوية في العمل؟ هل تُحترَم حقوقهن في الشارع والمنزل؟ هل يُحارب العنف ضدهن بجدية؟
الحقيقة أن الشعارات وحدها لا تبني واقعًا أكثر عدلًا، وأن الاحتفال الحقيقي بـ"النساء" لا يكون في يوم واحد، بل في إزالة العراقيل التي تعيقهن عن العيش بكرامة كل يوم، وتغيير العقليات السائدة تجاههن.
امرأة... المفرد الذي لا يُختزل
يُحتفى بالنساء وكأنهن كيان واحد من خلال عبارة "المرأة" بصيغة المفرد أمام عبارة الشمولية والكونية "العالمي"، والحقيقة أن "المرأة" ليست مجرد فرد، بل عالم كامل من التجارب والقصص والأحلام.
هناك العاملة التي تستيقظ فجرًا لتؤمِّن لقمة العيش، والأم التي تحمل على كتفيها أعباء تربية جيل جديد، والباحثة التي تكسر الحدود في مجالات لم يكن يُسمَح لها بدخولها، والمسنة، والشابة، والناجية التي ترفض أن تكون ضحية، والمناضلة التي تفتح الأبواب للأخريات.
كل امرأة هي قصة، وحين نقول "المرأة"، لا يجب أن نختزلها في أدوار وصفات نمطية كقالب جاهز، فلا توجد "امرأة واحدة"، بل ملايين النساء اللواتي يحملن في داخلهن عوالم مختلفة تستحق أن تُسمَع وتُحترَم.
النساء بحاجة إلى قوانين تحميهن، لا إلى مجرد منشورات فيسبوكية عن احترامهن، وبحاجة إلى فرص متساوية في التعليم والعمل، لا إلى خطابات عن "تمكين المرأة" دون تنفيذ فعلي، وبحاجة أيضًا إلى الأمان في كل مكان، لا إلى وعود مؤقتة تتبخر بعد انتهاء المناسبة.
العنف يقتل النساء
لا تزال العديد من النساء يعشن في ظل قوانين غير منصفة، وسوق عمل يكرِّس الفجوة الجندرية، وفضاءات عامة لا تضمن لهن الأمان.
في بعض الدول، تُسنّ القوانين لمكافحة العنف ضد المرأة، لكن على أرض الواقع لا تزال النساء يواجهن عقبات عند التبليغ عن الاعتداءات، سواء بسبب ثقافة "الصمت" أو بسبب بطء الإجراءات القانونية.
وفي بعض الدول، يُطلَب من المرأة تقديم "أدلة قاطعة" عند التبليغ عن التحرش، وكأن شهادتها غير كافية. في مصر، على سبيل المثال، يُطلَب من المبلِّغة في بعض الحالات تسجيل فيديو أو إحضار شهود لإثبات تعرضها للعنف، وهو أمر شبه مستحيل في كثير من المواقف، خاصة أن التحرش غالبًا ما يحدث في أماكن مزدحمة أو بعيدة عن أعين الآخرين.
وهناك نساء يتعرضن للعنف، أو حتى للاغتصاب الزوجي، لكنهن يخشين اللجوء إلى القضاء خوفًا من العار المجتمعي. ففي تونس، مثلًا، لا يوجد نص قانوني صريح يجرِّم الاغتصاب الزوجي، ورغم أن القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة يعترف بالعنف الجنسي داخل العلاقة الزوجية، فإنه لا ينص صراحة على تجريم الاغتصاب الزوجي كمخالفة جنائية مستقلة.
العمل غير المرئي للنساء
إلى جانب ذلك، لا يزال العمل غير المرئي الذي تقوم به النساء يوميًا، سواء في المنزل أو في بيئة العمل، غير مقدَّر رسميًا أو اقتصاديًا، رغم أنه يشكِّل دعامة أساسية لاستمرار المجتمع. فالنساء يحملن عبئًا مزدوجًا، حيث يقمن بالمهام المنزلية ورعاية الأطفال ومتطلبات الأزواج إلى جانب عملهن المهني، دون أن يُنظَر إلى ذلك كعمل حقيقي يستحق الاعتراف والتقدير.
المشكلة لا تكمن فقط في غياب الاعتراف القانوني أو الاقتصادي، بل أيضًا في عدم وعي العديد من النساء أنفسهن بأن ما يقمن به هو "عمل" وليس مجرد "واجب طبيعي" أو "دور اجتماعي مفروض".
هذا العنف الرمزي الخفي، الذي يخنق النساء، ناتج عن التنشئة الاجتماعية والثقافية السائدة، التي تغرس في المرأة فكرة أن رعاية الأسرة والقيام بالأعمال المنزلية هي مسؤولية أساسية، وليست مساهمة اقتصادية واجتماعية تستحق التقدير والمكافأة.
الفجوة الجندرية في سوق العمل
وحتى في سوق العمل، تعمل الكثير من النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال، لكن الفجوة في الأجور لا تزال واقعًا، والترقيات غالبًا ما تكون محجوزة للرجال.
في بعض المقابلات الوظيفية، يُطرح على النساء السؤال المعتاد: "هل لديكِ خطط للزواج والإنجاب؟"، وكأن طموحهن المهني مشروط بعدم تكوين أسرة.
وكثيرًا ما يواجهن نظرة شك في قدراتهن، خاصة حين يعملن في مجالات يهيمن عليها الرجال، مثل التكنولوجيا والهندسة، رغم امتلاكهن لنفس المؤهلات.
الخوف كجزء من الحياة اليومية للنساء
وحتى في أبسط تفاصيل الحياة، لا تزال النساء يعشن خوفًا من أمور تبدو بديهية للرجال. فالفتاة التي تمشي في الشارع مضطرة إلى تغيير طريقة مشيتها والنظر خلفها بحذر، خاصة في الليل، خشية التعرض لمضايقات.
والمرأة التي تدخن في المقهى أو في الطريق العام تجد نفسها في موقف غير مريح بسبب نظرات وتعليقات المجتمع. والعاملة التي تعود من عملها ليلًا تتظاهر بإجراء مكالمة هاتفية، وتسرع الخطى كي تصل إلى منزلها بأمان.
والفتاة التي تُمنع من إكمال دراستها أو اختيار مسارها المهني لأن "مكانها الطبيعي في البيت". والزوجة التي تُعامل على أنها الوحيدة المسؤولة عن الأعمال المنزلية، حتى لو كانت تعمل بدوام كامل مثل زوجها.
الإعلام وتعزيز الصورة النمطية
وسائل الإعلام تلعب دورًا هامًا في ترسيخ هذه الأفكار عن النساء بدلًا من تغييرها. ففي بعض الأحيان، يتم تصوير النساء في الإعلام إما كضحايا، أو كأيقونات جمال، دون التركيز على قدراتهن. وحين تنجح امرأة في السياسة أو الأعمال، يتم التركيز على مظهرها أكثر من قراراتها وإنجازاتها. وفي الإعلانات والمسلسلات، غالبًا ما تُجسَّد النساء في أدوار نمطية، مثل الزوجة المضحية، أو الفتاة العاشقة، أو الأم المثالية.