هل الشباب غير المستقل ماديًا يستطيع أن يقرّر؟

هل الشباب غير المستقل ماديًا يستطيع أن يقرّر؟

هل الشباب غير المستقل ماديًّا يستطيع أن يقرّر؟
كتبت/ ريم الربيعي

   في عالمٍ يزداد فيه الضغط الاقتصادي والاجتماعي يومًا بعد يوم، تُطرح بإلحاح مسألة استقلالية الشباب في اتخاذ القرار، وخاصةً أولئك الذين لم يحققوا بعد استقلالهم المادي. فهل يمكن للشاب غير المستقل ماديًّا أن يكون حرًّا في قراراته؟ وهل يُعتبر غياب المورد المالي عائقًا أمام الإرادة الفردية والتخطيط المستقل؟

بين الرغبة في القرار والقدرة على تنفيذه
   الشباب في مرحلة التحول من الاعتماد إلى الاستقلال يطمحون غالبًا إلى اتخاذ قراراتهم الخاصة، سواء تعلّق الأمر بالدراسة، أو العمل، أو العلاقات، أو حتى نمط العيش. غير أن غياب الدخل المستقل يجعل الكثير من هذه القرارات رهينة قبول أو رفض العائلة، أو أحيانًا الوضع الاجتماعي ككل. فالشاب الذي لا يستطيع دفع مصاريفه بنفسه، يضطر أحيانًا إلى التنازل عن خياراته، والرضوخ لقرارات من يعيله.

الاستقلال المالي: شرط أم أداة؟
   لا يمكن إنكار أن المال يُمثّل أحد أهم عوامل تحقيق الحرية الشخصية، لكن اختزال القدرة على اتخاذ القرار فيه وحده يُعدّ اختزالًا قاصرًا. فالكثير من الشباب يملكون وعيًا فكريًا ونضجًا شخصيًا يمكنهم من اتخاذ قرارات عقلانية، حتى في ظل التبعية الاقتصادية. فالاستقلال يبدأ من الفكر أولًا، ثم تُدعّمه الإمكانيات لاحقًا.

   في بعض الأحيان، يمكن للشاب غير المستقل ماديًّا أن يُحدث تأثيرًا في محيطه، وأن يفرض قراراته تدريجيًّا بحسن التواصل والإقناع، دون أن يدخل في صدام مباشر مع محيطه العائلي أو المجتمعي.

العائلة بين الدعم والتقييد
   تحتل العائلة موقعًا حساسًا في معادلة اتخاذ القرار عند الشاب غير المستقل ماديًّا. فهي من جهة مصدر للدعم والحماية، ومن جهة أخرى قد تتحوّل إلى سلطة تتحكّم في الخيارات. في مجتمعاتنا العربية، حيث تلعب العائلة دورًا محوريًا، قد يُطلب من الشاب أن "يُطيع" بدلًا من أن "يُقرّر"، خاصة حين يتعلّق الأمر بالمسائل المصيرية، كاختيار التخصص الدراسي أو شريك الحياة.

نحو تمكين الشباب فكريًا وماديًّا
   لتحقيق استقلال القرار لدى الشباب، لا بد من بناء سياسات تعليمية واقتصادية تُعزّز من قدراتهم على العمل، وتُشجّع المبادرات الفردية والمقاولات الصغرى. كما أن تعزيز التربية على المواطنة، والاختيار، والمسؤولية داخل الأسرة والمدرسة، يُمكّن الشباب من التمرّن على اتخاذ القرار منذ مراحل مبكرة.

   الشاب غير المستقل ماديًّا يستطيع أن يقرّر، لكن قراراته ستبقى دومًا محدودة أو مشروطة إلى أن يتحقّق له قدر من الاستقلال المالي. غير أن ذلك لا يمنع من التفكير المستقل، والمحاولة، وفرض الذات تدريجيًا. فالإرادة، والذكاء العاطفي، والقدرة على التفاوض قد تعوّض مؤقتًا غياب المال، إلى حين بناء مسار استقلال فعلي يُمكّنه من اتخاذ قراراته بحرية ومسؤولية.