الكنية والاحترام: كيف تصنع المرأة هويتها مع زوجها؟

الكنية والاحترام: كيف تصنع المرأة هويتها مع زوجها؟

الكنية والاحترام: كيف تصنع المرأة هويتها مع زوجها؟


كتبت/ ريم درويش

   في أحدِ الأسواق، كانت مجموعةٌ من النساء يتهافتنَ حول البضائع، تتعالى ضحكاتُهنّ كأن السوق احتفى بهنّ على طريقته.

   وفجأة، لمحْنَ جارتهنّ تمرّ بخُطا هادئة، فقالت إحداهنّ: «هذه زوجةُ علي». 

   فأجابت أخرى: «نعم، إنها فاطمة». بينما التفتت ثالثة لم تعرفها من قبل وقالت: «من تكون؟ أودّ التعرّف إليها».

   اقتربت فاطمة منهنّ وسلّمَت عليهنّ بابتسامتها المألوفة،
فقالت تلك المرأة الغريبة: «أنا سارة». 

   فأجابت فاطمة بلطف: «وأنا زوجةُ علي».

   رفعت سارة حاجبيها متعجّبة وقالت: «أوليس لكِ اسمٌ تُنادى به؟»

   ابتسمت فاطمة وقالت بهدوءٍ يشبه الطمأنينة: «بلى، اسمي فاطمة، غير أنّني متى ما ذُكرت، يُقال: زوجةُ علي».

   قالت سارة بنبرةٍ واثقة: «وأنا كذلك متزوجة، لكن الناس ينادونني سارة، بهويتي وكياني».

   أجابتها فاطمة بكلّ حبٍّ واتزان: «وأنا أيضًا لي كيانٌ وهوية، غير أنّ كياني هو زوجي».

   ساد صمتٌ قصير تخللته نظراتٌ متبادلة بين النساء. كانت كلمات فاطمة بسيطة، لكنها خرجت بثقةٍ جعلت سارة تشعر بشيءٍ غريبٍ يتسلّل إلى قلبها… تساؤلٌ ربما، أو حنينٌ إلى ذلك الاتزان الذي يلفّ فاطمة كعباءةٍ من نور.

   كانت فاطمة زوجةً لرجلٍ يُدعى علي، ومنذ أن اقترنت به أصبح اسمُها في ألسنة الناس «زوجة علي». لم تُمانع تلك الكنية، ولم ترَها انتقاصًا من ذاتها كما يظنّ البعض؛ فهي تؤمن أن الأسماء لا تُمحي الهوية، وأنّ الانتماء لمن يستحق لا يُلغي الوجود، إنما يُنضجه.

   علي لم يكن زوجًا فحسب، كان رجلًا صالحًا يعرف كيف يُسكِن المرأةَ في قلب الطمأنينة، يحبّها بصدق، ويعاملها بما يُرضي الله.

   كان أوّل من يصفّق لإنجازها، وأوّل من يواسيها عند انكسارها، يبقى إلى جوارها مهما تعاقبت الظروف وتبدّلت الأحوال، لم يجعلها يومًا تشكو، ولم يدعها تعود إلى أهلها غاضبةً أو منكسرة.

   لذلك رضيت فاطمة بأن تُعرَف بكونها «زوجة علي»، لأنها رأت فيه رجلًا يستحق أن تُنسَب إليه عن فخرٍ لا عن تبعية؛ رجلًا جعل منها امرأةً يملؤها الرضا، ترى في قربه عزّها، وفي نسبتها إليه وسامًا على صدرها.

   فاطمة لم تفقد هويتها، إنما امتلكت هويةً أوسع؛ هوية تُشبه الطمأنينة حين تسكن قلبَ امرأةٍ أحبّت رجلًا بحق، رجلٌ لم يُلغِها، بل احتواها حتى اكتملت به.

   والعيب ليس في أن تُعرَف المرأة بكونها «زوجة فلان»، العيب أن تُنسَب إلى رجلٍ لا يُكرمها، ولا يصونها، ولا يجعلها ملكةً في مملكتها.

   المرأة خُلقت مكرَّمة، ساميةَ المقام، ملكةً على أيّ عرشٍ تسكنه، لا تُهان ولا تُنتقص، وإن نُسِبت إلى رجل، فذلك لأنه أكرمها في بيته،
وأقامها على عرش قلبه، وفرش لها بساط السعادة والأمان.

   لهذا، لا يحقّ لأيّ امرأة أن تُنادى «زوجة فلان» إلا إن كان فلانٌ رجلًا يُعزّها، ويُدلّلها، ويُقدّرها حقّ قدرها. فليست الكنية تشريفًا إلا إذا صيغت من حبٍّ نقي، ولا الانتماء تكريمًا إلا إذا غُلّف بالاحترام والوفاء.