هل أعراض الناس لعبة؟

هل أعراض الناس لعبة؟
ريم درويش - مقال رأي
أمِنَ السهل أن تتحوّل أعراض الناس إلى لعبةٍ نلهو بها؟ أمِن العبث أن نصير قضاةً على أرواحٍ لم نُكلَّف بمحاسبتها؟ وكأنَّ التطفّل صار زينةً يتباهى بها من ضاقت نفسه، فيوزّع أحكامه بغير علم، ويقذف سهام نقده كمن يمارس طقسًا يوميًّا لا يكترث بعواقبه.
لقد أمطروا سارة بسِهام الاتهام والافتراء، إذ كانت تقيم بمفردها في منزلها، وتغادره مع بزوغ الفجر، ولا تعود إليه إلا عند المغيب. لم يُحسنوا الظنّ بها قط، بل انساقوا خلف الظنون السيئة، ونسجوا حولها شتّى الأقاويل، ونعتوها بالفجور، وزعموا أنّها تلاقي أناسًا لا يُحمد صحبتهم.
جهلوا أنّها كانت تمضي ساعات نهارها في دار المسنّين، تعمل في خدمتهم بعدما فقدت أهلها، فوجدت في رعايتهم عِوضًا عن الغائبين. ثم تتابع طريقها إلى دار الأيتام، تُربي الأطفال وتُحسن إليهم، إذ كانت تتوق إلى أمومتهم وقد حُرمتها حين طلّقها زوجها وتركها مُلقاة على قارعة قسوة الحياة.
ومع كل هذا، لم يُكلّف أحدٌ منهم نفسه بالسؤال عن حالها، أو عمّا تحتاجه، أو أين تقضي يومها؛ جلّ ما كانوا يفعلونه أن ينهالوا عليها بالقذف والتجريح في كل مجلس، بلا رحمة ولا إنصاف.
يا للمفارقة الموجعة حين تأتي أقسى الطعنات من مسلمٍ لأخيه، لا من غريبٍ يجهل ديننا. كأننا نسينا أنّ الكلمة ميزان، وأنّ اللسان شاهد، وأنّ كل لفظة تُحصى وتُسجَّل في صحائف لا تُغادر صغيرةً ولا كبيرة. فكيف غاب عنّا الخوف من الله، وغشيت قلوبنا غشاوةُ الغفلة؟
ليست وظيفتنا أن نترصّد خطوات الآخرين، ولا أن نغدو حرّاسًا على قلوبهم. إن أقصى ما نملكه كلمةٌ ناصحة تقال برفق؛ فإن قُبلت فهي نعمة، وإن رُدّت فقد أدّينا واجبنا، وتركنا الأمر لمن بيده الأمر كله، يغفر لمن يشاء ويعاقب من يشاء. فما حاجتنا بعد ذلك لنصير ظلًّا ثقيلاً على غيرنا؟
والحقيقة أنّ معركتنا الكبرى ليست مع الناس، معركتنا مع أنفسنا. هناك، في أعماق الروح، يقيم العدو الحقيقي: غرورٌ يستبدّ، وشهوةٌ تجذب، وضعفٌ يخذل. من غلب ذاته فقد ملك العالم، ومن انشغل بغيره ضيّع نفسه وتاه في سراب المقارنات.
والإنسان الذي يفتّش في عثرات الآخرين، إنما يهرب من عثراته. يظن أنّه يُدينهم، وهو في الحقيقة يفضح خواءه. أمّا العاقل فيعلم أنّ الإصلاح يبدأ من الداخل، وأنّ تهذيب النفس أسمى من تتبّع غيرها.
فاجعل معركتك مع نفسك، لا مع الناس؛ فالنفس إن أصلحتها صارت جنّتك، وإن أهملتها صارت جحيمك الأبدي.