المهمشون في اليمن... بين التهميش والسعي نحو المواطنة

المهمشون في اليمن... بين التهميش والسعي نحو المواطنة

المهمشون في اليمن... بين التهميش والسعي نحو المواطنة

كتبت/ لطيفة الظفيري 

   في بلد تتداخل فيه الهويات القبلية والطبقية مع البنية السياسية والاجتماعية، تظل قضية الفئة المهمشة في اليمن من أكثر القضايا تعقيدًا، ليس فقط لأنها تمس شريحة واسعة من المواطنين، بل لأنها تكشف خللًا عميقًا في مفاهيم المواطنة والعدالة الاجتماعية.

   يعاني المهمشون في اليمن من تهميش تاريخي متجذر، نابع من تركيبة اجتماعية لا تزال خاضعة لمنظومة طبقية وقبلية متعددة الأطر، تتجاوز العلاقات الاجتماعية لتؤثر على التحالفات السياسية، مما يصعّب ترسيخ قيم المواطنة المتساوية. ورغم أن هذه الفئة تمثل نحو 2.5% من سكان البلاد، إلا أنها تعيش في أطراف المدن بمساكن بدائية تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية كالمياه والتعليم والرعاية الصحية، في ظل عزلة مفروضة منذ قرون. 

   وعلى الرغم من أن الدستور اليمني والمواثيق الدولية لا تتضمن نصوصًا تمييزية ضد هذه الفئة، فإن غياب التطبيق الفعلي يجعل تلك النصوص مجرد حبر على ورق، خاصة أن أفراد هذه الفئة غالبًا لا يعرفون شيئًا عن حقوقهم الدستورية بسبب العزلة التعليمية والاجتماعية التي يعيشونها.

   يعتبر المهمشون مصدرًا رئيسيًا للأيدي العاملة في المهن الدنيا، خصوصًا في قطاع النظافة، حيث يتم استيعابهم دون عقود عمل رسمية رغم سنوات طويلة من الخدمة، ما يعكس غياب العدالة المؤسسية ويكرّس شعورًا بالتمييز غير المعلن. كما أن نمط حياتهم يكتنفه الغموض والانغلاق، ويعمّق من عزلتهم، إذ يعيش بعضهم ضمن طقوس وتقاليد خاصة تفرض عليهم الانفصال عن المجتمع الأوسع، في حين ينظر إليهم المجتمع اليمني بازدراء ويضعهم في أدنى السلم الاجتماعي، مما يخلق حاجزًا نفسيًا واجتماعيًا يصعب تجاوزه.

   ويُعد غياب التعليم من أبرز العوائق التي تحول دون إدماجهم في المجتمع، فعدم التحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات يحرمهم من معرفة حقوقهم ويمنعهم من الوصول إلى وظائف مرموقة. حتى من يتخرج من الجامعات من أبناء هذه الفئة يواجه صعوبات كبيرة في الحصول على فرص عمل، مما يثبط عزيمة الآخرين في مواصلة التعليم. ورغم وجود منظمات حقوقية أسسها أبناؤها، فإن الدولة لا تقدم لها الدعم الكافي، بل تعرقل حصولها على التراخيص. كما أن العديد من أبناء المهمشين لا يثقون في كثير من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، ويشعرون بالشك تجاه قدرتها على إحداث تغيير حقيقي في حياتهم، مما يزيد من حالة الانعزال.

   يمثل استمرار التهميش لهذه الفئة تحديًا كبيرًا أمام بناء دولة حديثة تقوم على أسس المواطنة والمساواة، إذ إن تجاهلهم لا ينعكس فقط على أوضاعهم المعيشية، بل يؤثر أيضًا على النسيج الوطني بأكمله. فالعزلة التي يعيشها المهمشون تخلق بيئة خصبة لتكريس الانقسام الاجتماعي، وتضعف من قدرة الدولة على تحقيق التنمية الشاملة. كما أن غياب التمثيل السياسي الحقيقي لأبناء هذه الفئة في مؤسسات الدولة، يحرمهم من المشاركة في صنع القرار، ويجعلهم خارج دائرة التأثير.

   إن إدماج المهمشين في الحياة العامة لا ينبغي أن يُنظر إليه كمنّة أو إجراء رمزي، بل كضرورة وطنية تساهم في تعزيز الاستقرار، وتحقيق العدالة، وبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات. فكلما طالت عزلتهم، زادت الفجوة بين مكونات المجتمع، وتراجعت فرص بناء يمن جديد يتسع لجميع أبنائه دون تمييز أو إقصاء.

   ولتحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة، تبرز الحاجة إلى خطوات عملية وجذرية تعالج التهميش البنيوي، تبدأ بتفعيل مواد الدستور المتعلقة بالحقوق والواجبات، بما يضمن العدالة لجميع المواطنين دون استثناء. كما يجب دعم المنظمات الحقوقية، خصوصًا تلك التي أسسها أبناء هذه الفئة، وتسهيل حصولها على التراخيص الرسمية، بما يعزز دورها في الدفاع عن الحقوق المدنية. ويُعد إدماجهم في المجتمع من خلال توفير التعليم والسكن والرعاية الصحية وخلق فرص عمل حقيقية خطوة أساسية لكسر دائرة العزلة، إلى جانب توعية المجتمع اليمني، لا سيما الشباب، بأهمية احترامهم واعتبارهم جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني.

   في المقابل، يجب رفع وعي المهمشين بحقوقهم، وتشجيع المتعلمين من أبنائهم على نشر هذا الوعي داخل مجتمعاتهم، وتوظيف خريجي الجامعات منهم، ولو بتوجيهات من السلطة العليا، لما لذلك من أثر إيجابي في تحفيز الآخرين على مواصلة التعليم. حيث إن بناء دولة المواطنة لا يتحقق بالنصوص الدستورية وحدها، بل عبر ثقافة يومية تُمارس في الأسرة والمدرسة والجامعة والحزب والدولة. وبدون هذا التحول الثقافي، سيظل التهميش قائمًا، وسيبقى المهمشون خارج دائرة الفعل الوطني.

   ختامًا، لا بد من اعتراف رسمي بوجود تمييز اجتماعي ضد المهمشين، والعمل على معالجته من خلال سياسات واضحة وعادلة تضمن لهم حياة كريمة ومشاركة فاعلة في بناء الوطن.