الأطفال ما بين التعنيف الأسري والتنمر المدرسي
الأطفال ما بين التعنيف الأسري والتنمر المدرسي
يشبه الأطفال الحديقة التي تحتاج للوقت، والجهد، والعنايّة المتواصلة، لكي يزهروا وينمو (لغويًا، وعقليًا، واِجتماعيًا)، ويكتمل بناءهم النفسي، المنعكس على شخصيتهم وجانبهم الخُلقي. ورغم ما تبذله الأسرة لأبنائها -من جهد وعناية- قد تظهر عليهم سلوكيات غريبة، البعض منها ينسجم مع طبيعة المرحلة، والآخر يكون مؤشرًا على وجود اضطرابات نفسيّة، يكون سببها غالبًا إتباع أساليب تربويّة خاطئة معهم، أو وجود مشاكل اجتماعيّة يتعرضون لها خارج المنزل.
التعنيف الأسري:
يُعايش الأطفال في مجتمعنا اليمني التعنيف الأسري بشكل يومي، وزاد توسعه بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد، وما خلفته من ضغوط اقتصادية على الآباء والأمهات، ورغم ذلك لا توجد إحصائيات دقيقّة حول نسبة الأطفال المتعرضين للعنف الأسري في اليمن، ويرجع مروان سلام العلوي (أستاذ في علم نفس الطفل)، ذلك إلى ثقافة العيب والتحفظات التي تطرحها الأسر، إلى جانب "أن كل شخص يختص بنفسه، بسبب طبيعة المجتمع الذكوري"!
وتتعدد أشكال التعنيف الأسري للأطفال، وقد يتم ممارسة البعض منها دون إدراك ووعي بمدى أذاها النفسي عليهم، سنشير إلى نوعين؛ الأول، ما يشاهده أو يعايشه الطفل من مشاحنات ومشادات كلاميّة، أو تعنيف جسدي بين أفراد الأسرة، حتى وإن لم يكن طرفًا فيها، ولم توجه إليه، وهنا نستطيع تشبيه وضع الطفل، بمستنشق دخان السجائر (secondhand smoke - SHS) الذي يسبب له أضرار، أكثر من المدخن نفسه!
أما النوع الثاني من التعنيف الأسري، فهو ما يوجهه الآباء أو الأمهات من عنف جسدي تجاه أبنائهم، بهدف تأنيبهم على أخطائهم، تقول فاطمة (اسم مستعار): "أخذت برأي أحد أساتذتي في الجامعة، بأن أفضل وسيلةً لتربيّة الطفل هي الضرب، كان يردد دائمًا "أضربه ضرب الحمير ليصير أمير"، أتبعت هذا الأسلوب في تربيّة أبني الوحيد، وبسببه زاد تمرده وعناده يومًا بعد يوم، حتى أقدمت في إحدى الأيام، على ضربه ضربًا مبرحًا، مستخدمة سلك التلفون، فما كان منه إلا أن أخذ السكين، وهدد بقتل نفسه، حينها ارتميت مغشيةً على الأرض، أدركت بعد هذا الموقف، مدى فشلي كأم، وأن جميع ما قدمته لأبني، وما سأقدمه لن يغفر لي ذلك".
وتُمارس بعض الأسر مع أبنائها العقاب اللفظي (السبّ، والشتم)، الذي يحدث لهم أذىً أشدّ مما يسببه العنف الجسدي، في هذا السياق عبرت إحدى الطالبات الجامعيات (لمنصة نون وشين)، عن معاناتها مما تَعرضت له في صغرها من التعنيف اللفظي، حيث تدهور مستواها الدراسي، وانعزلت اجتماعيًا، وأصيبت بعدة اضطرابات نفسيّة، منها الرهاب الاِجتماعي، والوسواس القهري.
يفقد الطفل عند تعرضه للتعنيف الأسري -بأشكاله المختلفة- توازنه العاطفي، وتَظهر لديه انحرافات مدمرة، وميول للاعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى بهم، إلى جانب معاناتهم من مشاكل اضطرابيّة، مثل الاكتئاب، والقلق، وتدهور حالتهم الجسميّة، والفشل الدراسي، واللجوء إلى المخدرات، والعجز عن مواجه المشكلات التي قد يتعرضوا لها خارج المنزل، منها (التنمر المدرسي).
التنمر المدرسي:
عرف العالم النرويجي دان ألوس التنمر المدرسي، بأنه: "أفعال سالبّة متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر، لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة، وطوال الوقت"، ويمكن أن يكون التنمر بالكلمات مثل التهديد أو التوبيخ أو الإغاظة أو الشتائم، أو بالضرب والدفع والركل، ويمكن أن يكون بدون استخدام الكلمات أو التعرض الجسدي، مثل التكشير بالوجه، أو استعمال الإشارات غير اللائقة، وجميعها تترك آثار عديدة لدى الطفل، من أهمها ضعف ثقته بنفسه، وضعف تركيزه، وتراجع مستواه الدراسي، ومعاناته من الخوف، والقلق، والاكتئاب، والخجل، والرهاب الاِجتماعي، وحدوث حالات الانتحار.
يعتبر التنمر المدرسي مشكلة رئيسة في جميع أنحاء العالم، إلا أنها تزيد في العالم العربي وبشكل خاص في اليمن، بسبب افتقار معظم مدارسه إلى التدابير التأديبيّة "الواضحة" تجاه سلوكيات التنمر، وغياب برامج حل النزاعات، وضعف الإرشاد الطلابي، وعدم فعالية دور العمل الاجتماعي في مواجهة الظاهرة. ورغم ذلك لا توجد إحصائيات دقيقة تحدد نسبة الأطفال المتعرضين للتنمر المدرسي في اليمن.
يرجع الاختصاصيون النفسيون سبب انتشار التنمر بين الأطفال إلى البيئة الأسريّة التي جاؤوا منها، وتأثرهم بسلوك العنف الذي يُمارس عليهم من الوالدين، أو حرمانهم العاطفي من جانبهم، بالإضافة إلى أن الطفل المتنمر في الغالب يكون ضحيّة تنمر سابق.
وسائل الاتصال والتنمر المدرسي:
يرى عبد الواسع النخلاني أخصّائي في الإرشاد النفسي: "أن برامج التلفزيون، ومنها أفلام الكرتون أصبحت المربي الأول للأطفال، في ظل غياب توجيه الآبوين، والتي تحتوي على مشاهد عنف بنسبة 85%، فتعمل على تنميّة السلوكيات الخاطئة لديهم، مثل "التنمر" الذي يُساهم في ظهوره ايضًا التربيّة بالتخويف، حيث تتولد لدى الطفل مشاعر متفجرة من العدوان عليه، يقوم بتنفيسها على الآخرين، ما أن يذهب إلى المدرسة أو الحي، وللأسف لا يجد من يعالجها، بسبب نقص المختصّون الاجتماعيين والنفسيين". ويؤكد مروان سلام، أستاذ مختص في علم نفس الطفل، على ضرورة انتقاء الوالدين لما يشاهده أبناؤهم، من خلال المراقبة الذكيّة -الخالية من العنف- التي لا يلعبون فيها دور الضابط "المتسلط"، حتى لا تتأثر نفسيّة الطفل، ويُصاب باضطرابات نفسيّة.
الحلول:
أشار سلام أثناء حواره معنا إلى عجز كلٌ من مؤسسات الضبط الاجتماعي، والقانون، والإعلام في التدخل المباشر لحل المشاكل التي تواجه الأطفال، سواء كان التعنيف الأسري أو التنمر المدرسي، وذلك بسبب طبيعة المجتمع "القبلي"، ومن ذلك نوه على ضرورة تظافر جهودها جميعًا، وتوحيدها في مسار واحد، والتركيز على الحقل البحثي، لتتمكن مؤسسات التربية والإعلام من توجيه رسائل واضحة وموجهة من شأنها أن تعالج هذه القضايا.
ونؤكد من جانبنا على أن الحل "كل الحل" لجميع المشاكل التي تواجه الأطفال، هي الأسرة وما تقدمه لهم، فإذا ما أرادت أن تنشئهم تنشئة سليمّة يجب أن تُقدم لهم (الحب غير المشروط)، والحرص على أن لا يروا منها إلا كل ما هو جميل وإيجابي، حتى عند التعامل مع أخطائهم، ينبغي إتباع أساليب تربويّة بعيدة عن العنف البدني واللفظي، واللجوء للحوار والنقاش معهم. وعدم تسليمهم للأجهزة الإلكترونيّة، وللشارع، ولقُرناء السوء، وتوجيههم بدلًا من ذلك نحو ممارسة الأنشطة المفيدة لهم، مثل الرياضة. إن إشباع حاجات الطفل المختلفة، وخلق بيئة آمنة له يساعده على تعزيز قدراته الذهنيّة والاجتماعيّة، وعلى التأقلم مع جميع الظروف والمواقف التي يتعرض له في حياته.
المراجع:
(1). حمدان، محمد: انحرافات سلوكية للأسرة و الأبناء. المنهال 2015، ص 70-73.
(2). رافدة، الحريري: قضايا معاصرة في نربية طفل ما قبل المدرسة. دار المنهاج، 2013.
(3). زغلول، عماد: الاضطرابات الانفعالية والسلوكية لدى الأطفال. دار الشروق 2006، ص 21.
(4). الطالب، هشام؛ [وآخرون]: التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية. المعهد الإسلامي الدولي، ص 152-153.
(5). العبادي، ايمان: التنمر لدى الأطفال. مركز الكتاب الاكاديمي، عمان 2020.
(6). فتيحي، وليد: ومحياي. دار البشير 2018، ص 40-42.
(7). كوستي ماريانا: رهاب المدرسة ونوبات الهلع والقلق لدى الأطفال. مكتبة الأنجلو المصرية، ص 89-91، بتصرّف.
(8). منسي، محمود: النمو النفسي للإنسان. مكتبة الأنجلو المصرية، ص 279-280.
المقابلات:
(1). عبد الواسع النخلاني، جامعة صنعاء، معهد الشوكاني، الثلاثاء، 14 مارس 2023، 9:15 am.
(2). مروان سلام، جامعة صنعاء، معهد الشوكاني، الثلاثاء، 14 مارس 2023، 10:00 am.