الأطفال ما بين التعنيف الأسري والتنمر المدرسي

مقال أكاديمي

الأطفال ما بين التعنيف الأسري والتنمر المدرسي

كتبت/ أمل السبلاني 

   يشبه الأطفال الحديقة التي تحتاج للوقت، والجهد، والعناية المستمرة، لكي يزهروا وينمووا لغويًا وعقليًا واجتماعيًا، ويكتمل بناءهم النفسي الذي ينعكس على شخصيتهم وجانبهم الخُلقي (حمدان، محمد، انحرافات سلوكية للأسرة والأبناء، المنهال، 2015، ص. 70-73).

   ورغم ما تبذله الأسرة لأبنائها من جهد وعناية، قد تظهر عليهم سلوكيات غريبة، بعضها طبيعي نتيجة المرحلة العمرية، وبعضها قد يكون مؤشرًا على وجود اضطرابات نفسية نتيجة أساليب تربوية خاطئة أو مشاكل اجتماعية يتعرضون لها خارج المنزل (رافدة، الحريري، قضايا معاصرة في تربية طفل ما قبل المدرسة، دار المنهاج، 2013).

التعنيف الأسري

   يعيش الأطفال في المجتمع اليمني التعنيف الأسري بشكل يومي، وزاد توسعه بسبب الأوضاع الاقتصادية والضغوط الناتجة عن الصراع في البلاد. ورغم ذلك، لا توجد إحصائيات دقيقة حول نسبة الأطفال المتعرضين للعنف الأسري، ويرجع ذلك إلى ثقافة العيب والتحفظات الأسرية، إضافة إلى الطابع الذكوري للمجتمع (مروان سلام، جامعة صنعاء، معهد الشوكاني، مقابلة شخصية، 14 مارس 2023).

   تتعدد أشكال التعنيف الأسري للأطفال، وقد يمارس البعض منها دون وعي بأذيتها النفسي. يمكن تقسيمها إلى نوعين:

  1. التعرض لمشاحنات ومشادات كلامية أو عنف جسدي بين أفراد الأسرة حتى وإن لم يكن الطفل طرفًا فيها، وهو يشبه استنشاق دخان السجائر السلبي الذي يضر بالطفل أكثر من المدخن نفسه (زغلول، عماد، الاضطرابات الانفعالية والسلوكية لدى الأطفال، دار الشروق، 2006، ص. 21).
  2. العنف المباشر من الوالدين، سواء جسدي أو لفظي، بهدف تأنيب الطفل على أخطائه. تروي فاطمة (اسم مستعار): "اتبعت أسلوب الضرب مع ابني، حتى هدده بالانتحار، وأدركت مدى فشلي كأم". هذا النوع من التعنيف يؤدي إلى تمرد الطفل، اضطرابات نفسية، وسلوك عدواني لاحقًا (الطالب، هشام وآخرون، التربية الوالدية: رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية، المعهد الإسلامي الدولي، ص. 152-153).
  3. العقاب اللفظي مثل السب والشتم قد يسبب أذى نفسي أكبر من العنف الجسدي، حيث يؤدي إلى تدهور المستوى الدراسي، الانعزال الاجتماعي، والاضطرابات النفسية كالوسواس القهري والرهاب الاجتماعي (العبادي، ايمان، التنمر لدى الأطفال، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، 2020).

   يؤدي التعنيف الأسري إلى فقدان التوازن العاطفي للطفل، انحرافات سلوكية، ميول للاعتداء على الآخرين، مشاكل اضطرابية مثل الاكتئاب والقلق، وتدهور الحالة الجسدية، بالإضافة إلى صعوبات دراسية، ولجوء محتمل للمخدرات، وصعوبة مواجهة المواقف خارج المنزل، بما في ذلك التنمر المدرسي.

التنمر المدرسي

   عرفه العالم النرويجي دان ألوس بأنه: "أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر بصورة متكررة وطوال الوقت" (كوستي ماريانا، رهاب المدرسة ونوبات الهلع والقلق لدى الأطفال، مكتبة الأنجلو المصرية، 2018، ص. 89-91).

   ويشمل التنمر، الكلمات؛ تهديد، وتوبيخ، وشتائم، وإغاظة. والأفعال؛ ضرب، ودفع، ركل. والإشارات غير اللفظية؛ التكشير، والإيماءات المسيئة.

   تترك هذه التصرفات آثارًا نفسية وعاطفية، منها ضعف الثقة بالنفس، تراجع المستوى الدراسي، القلق، الخجل، والاكتئاب، وأحيانًا الانتحار. تنتشر هذه الظاهرة أكثر في العالم العربي واليمن، بسبب ضعف الإجراءات التأديبية، غياب برامج حل النزاعات، ونقص الإرشاد الطلابي (فتيحي، وليد ومحياي، دار البشير، 2018، ص. 40-42).

   يرجع اختصاصيو علم النفس سبب التنمر إلى البيئة الأسرية، تأثير العنف الأسري، أو الحرمان العاطفي. غالبًا ما يكون المتنمر نفسه ضحية تنمر سابق (منسي، محمود، النمو النفسي للإنسان، مكتبة الأنجلو المصرية، ص. 279-280).

وسائل الاتصال وتأثيرها على التنمر

   يقول عبد الواسع النخلاني، أخصائي الإرشاد النفسي: "برامج التلفزيون وأفلام الكرتون أصبحت المربي الأول للأطفال، حيث تحتوي على مشاهد عنف بنسبة 85٪، فتؤدي إلى سلوكيات التنمر، خصوصًا عند غياب الرقابة الأبوية الفعالة" (عبد الواسع النخلاني، جامعة صنعاء، معهد الشوكاني، مقابلة شخصية، 14 مارس 2023).

   كما يشدد مروان سلام على ضرورة مراقبة محتوى ما يشاهده الأطفال بطريقة ذكية، بعيدًا عن العنف والتسلط، لتفادي التأثير السلبي على صحتهم النفسية.

الحلول

   ويشير سلام إلى عجز مؤسسات الضبط الاجتماعي، والقانون، والإعلام في التدخل المباشر لحل مشاكل الأطفال، نتيجة طبيعة المجتمع القبلي، ويؤكد ضرورة تظافر الجهود بين جميع هذه المؤسسات، مع التركيز على البحث العلمي لتوجيه رسائل واضحة لمعالجة هذه القضايا (مروان سلام، مقابلة شخصية، 2023).

   يظل الحل الجوهري الأسرة نفسها، من خلال تقديم الحب غير المشروط، واستخدام أساليب تربوية بعيدة عن العنف، والحوار والنقاش مع الأطفال، وتوجيههم نحو الأنشطة المفيدة مثل الرياضة، وخلق بيئة آمنة تساعدهم على تعزيز قدراتهم الذهنية والاجتماعية.