هل الرجل عنيف بطبعه؟

هل الرجل عنيف بطبعه؟

هل الرجل عنيف بطبعه؟
كتبت/ ريم الربيعي

   كثيرًا ما نستمع لعبارة "العنف الممارس ضد النساء"، فيتبادر إلى أذهاننا أن النساء ضحايا لرجال عنيفين بالفطرة، وأن العنف معطى بيولوجي يولد به الرجال ليمارسوه على النساء. كما يتبادر إلى أذهاننا أن الرجل القوي من يفرض سلطته الذكورية على زوجته، وابنته، وأخته، وأمه، وكل امرأة يهتم لأمرها.

ويُنظر إلى هذه السلطة، القائمة على العنف باختلاف أشكاله، سواء أكان رمزيًا أو جسديًا أو نفسيًا أو اقتصاديًا، كسلطة تحمل في طياتها مشاعر من الحب والاهتمام والغيرة على النساء.

   لكن، إذا قبلنا بهذه الفكرة – أي أن العنف معطى بيولوجي يولد به الرجال – فعلينا أيضًا أن نقبل بفكرة أن الأمومة غريزة، وأن اللين والهدوء من طبيعة النساء. وإذا صادفنا رجلاً غير عنيف أو امرأة غير هادئة، فإننا نعتبرهما خارج "قاعدة الفطرة"!

   ولكن إذا تأملنا سلوك الإنسان في بداياته، سنجد أن الرضيع، في سنواته الأولى، سواء أكان ذكرًا أو أنثى، يتصرف بالطريقة نفسها: يبكي، يصرخ، يجري، يبتسم، ويعري جسده دون خجل. هذا يعني أن الفروق ليست فطرية، بل تُزرع لاحقًا. فبمجرد أن يبدأ الأهل – وعلى وجه الخصوص الأم، باعتبارها غالبًا حارسة النظام الأبوي – في تشكيل سلوك الطفل، تُفرض عليه تصرفات محددة، تبدأ من اللباس والألوان، وتمتد إلى طريقة الجلوس والتصرف. وهنا تبدأ الفروقات:

اللون الأزرق للولد، والوردي للبنت!

البنت تجلس باحترام، أما الولد فيأخذ راحته في الجلوس!

الولد له الشارع ليكبر، بينما البنت مكانها المطبخ!

الولد يلعب بالمسدسات، والطائرات، والسيارات الحربية؛ أما البنت فلها الدمى، وأدوات الزينة، وأواني المطبخ!

الولد يمشي، أما البنت ينتظر منها أن تتمايل!

الولد لا يبكي، أما البنت تعبر عن ضعفها!

   من هنا، وخلال هذه الفروقات، يزرع المجتمع عبر التنشئة فكرة التمييز والتفوق الذكوري، وبمجرد أن يصنف الطفل كـ"رجل"، يُسمح له بالتعبير عن غضبه بكسر الأشياء، أو التلفظ بعبارات سيئة، أو تبادل العنف مع أقرانه، ويُشجع على التباهي بعضلاته، لأنها تُعد دليلاً على الرجولة. وهكذا يصبح العنف بالنسبة للرجل، وسيلة لإثبات الذات، وإبراز القوة، والتحكم.

   ويصبح الفضاء الداخلي للأسرة المساحة التي يُفرغ فيها هذا العنف. فيمارسه على من هم  أضعف منه أو أقل سلطة؛ يعنف زوجته، ويشتم أخته، ويحرم ابنته من المال، وبمجرد أن يخسر فريقه الرياضي، ينفجر غضبًا؛ يكسر أثاث البيت، ويضرب زوجته، ويفعل ما يشاء. والمطلوب من المرأة في كل الأحوال أن تراعيه، وتصبر، وتصمت، بل وتسعى إلى تهدئته.

   ثم وبعد أن يفرغ كل طاقته السلبية في هذا "الفضاء الآمن" بالنسبة له، يخرج إلى الفضاء العام هادئًا ومهذبًا، يتصرف بلباقة واتزان. يظهر بمظهر الرجل "المحترم"، بعيدًا عن أعين القانون، الذي غالبًا ما يتغاضى أو يتساهل في التعامل مع المعنِّفين داخل منازلهم.

   وبهذه الطريقة، يتحول الرجل العنيف في الخفاء إلى رجل أعنف في العلن، لكنه يرتدي قناع الرجولة والمقبولية الاجتماعية. وتبقى النساء، في ظل هذا الواقع، ناجيات لا ضحايا، يقاومن من أجل كرامتهن، ويبقين في حالة نضال مستمر من أجل البقاء الإنساني.