من وسائل للتواصل الاجتماعي إلى منصات لإطلاق الشائعات والأخبار المزيفة.. كيف حدث هذا؟

من وسائل للتواصل الاجتماعي إلى منصات لإطلاق الشائعات والأخبار المزيفة.. كيف حدث هذا؟
عايدة خليل
في ظل المناخ التكنولوجي المتسارع وتقنية الاتصالات المتطورة التي أحدثت ثورةً في تَدَفُق المعلومات وسهولة الوصول إلى الخبر؛ ظَهَرت إشكاليات عديدة تواجه المُلتقي عندما يَجِد نفسه في بحر من تضارب المعلومات وَسط أمواج الفضاء الأزرق القادمة من منصات التواصل الاجتماعي.
هذه المنصات التي تُقدِّم نفسها على أنها مصدرٌ موثوق -وأحيانًا- وحيدٌ للخبر، وجمهور المُتلقِين يؤكدون ذلك؛ حيث ذَكَرت رويترز في تقرير لَهَا أن 51% من المُتلقين يَعدونها مصدرًا للمعلومات، فيما يَراها 12% منهم مصدرًا وحيدًا لمعلوماتِهم.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا وضبابية؛ أن عملية النشر في هذه الوسائل لا يَخضع للرّقابة والإشراف مطلقًا كما في منصة ???? -تويتر سابقًا- أو يَخضع لرَقابة نِسبية أو مِزاجية.
ففي بيئة معلوماتية سَائِلة ومتقلبة كهذه تَتكاثر الشائعات، وفي مستنقعاتها الآسِنة تَتَوالد الأخبار المُضلِلة؛ فعلى سبيل المثال: قَامت نشرة الشائعات في لبنان التابعة لروتد انترست خلال عامي (2020-2021) برصد 16 شائعة في وسائل التواصل الاجتماعي خلال 15 يومًا حول فيروس كوفيد-19 وفَعالية لقاحاته، وخلال خمسة أشهر رَصدت 2774 شائعة عن ذات الموضوع!
الأزمات موطن للشائعات
ولوحظ من خلال البحوث الميدانية والرّصد الإلكتروني؛ أن وَتيرة الشائعات تَتَصاعد أثناء الاضطرابات والأزمات، وتتفاقم آثارُها كلما زاد اقترابُها من اهتمامات المواطن ولَامست احتياجاته؛ فقد شَهِدت الحرب الأهلية في اليمن العديد من الشائعات التي كان مصدرُها وسائل التواصل الاجتماعي؛ بدافع الإطاحة بحزبٍ سياسي أو شخصية عامة أو مؤسسة مجتمعية.
ولازدياد حاجة المواطن في زمن الحرب إلى الرعاية الصحية؛ أصبح المجال الصحي أرضًا خصبة لِبَذر الشائعة وَجَني ثمارُها علقمًا على حياة الناس؛ من خلال عزوفهم عن أخذ الدواء أو تشككهم في جدوى بعض اللقاحات، كما حَدث مع لقاحات الأطفال التي امتناع الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من أخذها بسبب إشاعة الجماعة أنها مؤامرة غربية وغير مُجدية، حتى أن جهات تابعة لسلطة صنعاء نظّمت ندوة بعنوان (اللقاحات ليست آمنة ولا فعّالة)، مما أدى إلى عودة تفشي جديد لفيروس شلل الأطفال الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية في العام 2006م خلو اليمن منه.
وبحسب تقرير وزارة الصحة التابعة للحوثيين تم تسجيل 18 ألفا و597 حالة بمرض الحصبة، توفي منها 131 حالة خلال العام 2022م .
المرأة اليمنية والشائعة
نالت المرأة اليمنية حظها العاثر كاملًا من ذلك الأثر الكارثي للشائعات؛ فهي المكون الأضعف والأكثر هشاشة في المجتمع، وَبِالتالي فقد كانت الأكثر تضرُرًا وتهافتًا أمام الشائعات.
فعلى سبيل المثال في جائحة كورونا تكاثرت الشائعات حول فعالية اللقاح وتأثيره على الخصوبة والأعضاء التناسلية للمرأة الحامل التي كانت من بين الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بالفيروس؛ وأدى ذلك إلى عزوف النساء اليمنيات في الشمال والجنوب عن أخذ اللقاح، وحالت إمكانيات الدولة الضعيفة عن استقبال النساء المصابات بالفيروس والاكتفاء بالحجر عليهن في منازلهن بدلًا من إيجاد أماكن أخرى لذلك تتوفر فيها شروط الحجر الصحي.
وفي يناير من العام الماضي انتشرت شائعة عن انتشار حقنة دواء مُزيفة في صنعاء مُتسببة بوفاة العشرات من الأطفال والأمهات.
حيث استبدلت حقنة Anti-D التي تأخذها الأم الحامل في حال اختلاف عامل "الرايزيسي" بين فصيلة دم الأم والطفل بحقنة مُزيفة تحمل دواء "ديكساميثازون" المضاد للحساسية والالتهابات؛ وَأَدت هذه الشائعة إلى امتناع الأمهات عن أخذ تلك الحقنة.
كيف نَحُد من الشائعات وَنَتَصدى لها
تظل الشفافية المُطلقة من الجهات المعنية في نشر المعلومات وسرعة نفي الشائعات وتفنيدها، يظل ذلك الإجراء هو حجر الزاوية لإعادة ثقة المواطن في المُؤسسات والمُنظمات الصحية والمُجتمعية، وطوق النجاة من غرق المُتلقي في الضبابية والفراغ المعلوماتي الذي تملأه فوضى منصات التواصل الاجتماعي.
وفي بلد تتنازعه الحرب وتعصف به الانقسامات؛ يبدو تطبيق القوانين المُجرِّمة للشائعات مستحيلًا؛ والبديل الأقرب إلى روح المجتمع البسيط وإمكاناته الضعيفة؛ هو متابعة حسابات شخصيات موثوقة اجتماعيًا وَدينيًا، والحذر من الحسابات المجهولة وَالوهمية، ونشر الوعي المجتمعي والديني بأهمية التأكد والفحص والبحث عن الموثوقية قبل التعاطي والترويج لأي خبرٍ كان.
ويقع الحمل الأكبر -في ظل هشاشة مؤسسات الدولة- على الفئة الفاعلة والمثقفة من الشباب والصحفيين؛ للمبادرة بإنشاء مواقع لكشف الشائعات وتفنيدها؛ كالمبادرة الجزائرية FAKE NEWS DZ، والاستفادة من تجربة مشروع "أكيد" لمصداقية الإعلام الأردني، ومن المشاريع التي تدعمها منظمة "انتر نيوز" وتكثيف الحملة الدعائية لَها.
وسائل بسيطة لمكافحة الأخبار المُضلِلة والشائعات
ويمكن استخدام بعض التقنيات المتوفرة لكشف الأخبار المُزيفة والشائعات؛ كفحص الصور المُرفقة للخبر باستعمال برامج مثل Google image, Tineye, Fotoforensics أو في YouTube عندما يتعلق الأمر بالفيديو، واعتماد تطبيق Unicheck الموثوق به من قبل 1100 مؤسسة أكاديمية لكشف التلاعب في النصوص، وتطبيق Copyleaks لكشف المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
المراجع:
تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2020م.
تقرير وزارة الصحة والسكان التابعة للحوثيين لعام 2020م.
مقالات من موقع شبكة الصحفيين الدوليين.
مقالات من موقع صوت المهمشين.
تقرير من موقع "أكيد" لعام 2018م.
مقالات صحفية من منصة خيوط.
بحث بعنوان: "المسؤولية المدنية الناشئة عن تداول الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، لـ د. غادة عبد الكريم جاد.
نشرات الشائعات التابعة لمشروع "روتد إنترست" التابعة لمنظمة "انتر نيوز".
تأثير كوفيد-19 على المرأة اليمنية = مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية.