التحقق والتدقيق السبيل الأمثل لمكافحة الشائعات الجاثمة على مجتمع الميديا في اليمن

التحقق والتدقيق السبيل الأمثل لمكافحة الشائعات الجاثمة على مجتمع الميديا في اليمن

التحقق والتدقيق السبيل الأمثل لمكافحة الشائعات الجاثمة على مجتمع الميديا في اليمن

وهب الدين العواضي

باتت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالشائعات والمعلومات المضللة التي أخذت تنتشر بوتيرة متسارعة مع التدفق الهائل للأجهزة والهواتف الذكية التي أصبحت في متناول الجميع وتيسّر معها الالتحاق بركب الفضاء الرقمي، ليضحى الوصول إلى عددٍ كبيرٍ من الناس وتبادل المعلومات والأفكار معهم أو نقلها لهم أمرًا سهلًا، وأسرع من ذي قبل.
وعلى وقع ذلك يسقط العديد من الناس ضحايا في وحل تلك الشائعات والمعلومات التي يتم تزييفها وتضليلها لخداعهم، وبلاشك يكون لها تأثيرًا كبيرًا إما على حياتهم بشكل مباشر أو علاقاتهم مع الآخرين، هذا من جهة، ومن أخرى غالبًا يجري توظيفها لاستهداف أفراد بعينهم أو جهات معينة، واستخدام الجمهور أو مستخدمي شبكة الإنترنت وسيلة لتحقيق ذلك.
وتؤكد دارسة بحثية أجراها أستاذ قسم الصحافة والإعلام بجامعة حضرموت، عبدالله باخريصة، نُشرت على معهد شبكة الجزيرة في مطلع يناير الماضي، بأن منصات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، واتساب، إكس -تويتر سابقًا- وغيرها، لها دور كبير في انتشار الشائعات والأخبار المزيفة وتضليل المحتوى ومعلومات الوقائع والأحداث في اليمن.

استهداف المرأة

وعلى نحوٍ مختلف من أشكال الشائعات التي تترد إلى مسامعنا أحيانًا، تروي الشابة العشرينية من مدينة تعز، نجوى الشرعبي، قصتها مع إحدى عمليات التضليل التي تعرضت لها وعايشت تفاصيلها وأحادثها، إذ تقول بأنها قبل فترة تلقت معلومات -أدركت بأنها خاطئة تباعًا- عبر منشورات موقع التواصل "فيسبوك"، تفيد بأن هناك شُبان سوريون قاموا بنشر وتداول صور لفتيات يمنيات وتشويه سمعتهن في مجموعات للمراسلات الفورية خاصة بهم.
تضيف نجوى بأن تلك المعلومات جعلتها تستنفر على الفور واستفزت مشاعرها كون ذلك الأمر يضر الفتاة والمرأة اليمنية، وهو إضرار مباشر لها أيضًا، ولا يمكن القبول به، كما تصف، ليدفعها ذلك إلى نشر منشورات عديدة شتمت فيها السوريين دنما محاولة إلى التأكد من صحة ما حدث، ودخلت في احتدامًا وتراشقًا كلاميًا مع أشخاص سوريين ممن كانوا ضمن قائمة أصدقائها.

تتابع: "أول ما رأيت المنشور كنت مندفعة جدًا على بنات بلدي وكيف يتم تشويه سمعتهن واستهدافهن، وبادرت فورًا بالرد والشتم على السوريين ودخلت على مجموعات خاصة بهم وأساءت لهم في الحديث، سبب ذلك في مشاكل أدت لاختراق حسابي، نتيجة نشوب تلك العداوة المفاجئة".
حينها بعد أيام قليلة، أدركت نجوى بأن ما حدث ليس صحيحًا ولا يمت للحقيقة بصلة، وبأنها تعرضت للخداع من محتوى مضلل ومزيف. وتشير في حديثها إلى أنها تتبعت الموضوع وتحققت منه بطريقةٍ ما، ليتبين لها بأن هناك شخص لديه عداوة مع أحد السوريين في إحدى المجموعات، قام بحياكة وتلفيق تلك القصة للنيل منه من خلال استفزاز مشاعر الفتيات اليمنيات اللواتي كانا من ضمن مجتمع تلك المجموعات الاجتماعية.

استعطاف وكسب التأييد
أوجه وطرق تضليل المعلومات والأحداث وصناعة الشائعات كثيرة، خصوصًا تلك التي تعمل إما على استهداف كيان المرأة اليمنية بشكل مباشر واستخدامها كوسيلة للغرض، كما حصل مع نجوى، أو استهداف المرأة كجمهور يمكن أن ينتزع  صانع الشائعات الاستعطاف المرجو منها لتحقيق أهداف أو خدمة سياسية معينة يتبناها، وهذا الأخير حصل بالفعل مع الشابة العشرينية هي الأخرى، عبير عبدالله.
إذ تقول عبير التي تعيش في مدينة تعز أيضًا، بأنه في فترة من الفترات جرى فبركة قصة اغتصاب أحد الأطفال في المدينة وصاحب نشر تلك القصة العديد من الشائعات وتزييف تفاصيلها، مشيرةً إلى أنها كانت من ضمن الذين نجحت تلك القصة في استعطافهم وكسب تأييدها لصالح القضية وعملت على المشاركة والنشر فيها، والانضمام إلى حملات شنها ناشطون في مواقع التواصل - لا سميا الفيسبوك.
لكن اللافت في الأمر، أن تلك الحادثة لم تكن حقيقية وبقدر دقة تلك التفاصيل التي جرى نشرها وتداولها، وفق حديث عبير التي ترى بأن ما حصل كان استعطاف للناس لا أكثر، بهدف شن هجمات وحملات إعلامية استهدفت جهات وأجهزة حكومية في المدينة واتهامها بالتقصير والتواطؤ مع الفاعلين الذين ذكروهم، من خلال حشد أراء ومواقف الناس وتوظيفها لأجل ذلك.
وتعتقد عبير بأن ما حدث كان غير مقبولاً ولا أخلاقيًا من إقحام الصغار في معارك الكبار، وإحداث رعب في نفوس الأمهات والأباء وجعلهم يعيشون في قلق دائم ومستمر خوفًا على أطفالهم، لافتةً إلى أنه حدث وقتها رواج وتداول كبير للشائعات وتضليل المعلومات المتعلقة بالواقعة، وصرف النظر عن تأثيرها السلبي على المجتمع والأسر.
وفي هذا الصعيد، يرى الصحفي المتخصص في تدقيق المعلومات وكشف التضليل، فاروق الكمالي، بأن هناك سياسات قد تكون عامة أو تصرفات شخصية تقف خلف نشر الشائعات، وغالبًا العامة تستهدف الأفراد كمنظومة كانوا رجالًا أو نساءً، مشيرًا إلى أن الشائعات تتسبب بأذى كبير خصوصًا للمرأة التي قد تتعرض للقتل في مجتمع يمني محافظ، ولربما قد تقودها تلك الشائعات إلى الانتحار ولحدوث مخاطر عديدة.

ضرر وحرمان
يذهب الكمالي للحديث عن خطر تأثير تلك الشائعات على أفراد المجتمع صغارًا وكبارًا كافة، ويضرب مثال على ذلك، بذكر الشائعات المرتبطة بالْقاحات الأطفال، والتي تشكك بها وتدعي بأنها ليست آمنة وتسبب الأمراض وهو أمر غير صحيح، وقد أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" تكرارًا على مأمونية الْقاحات، لكن استمرار تلك الشائعات يتسبب في حرمان الأطفال من العلاج والوقاية.
ويوضح الكمالي بأن انتشار الشائعات تسبب في حرمان الأطفال من اللقاحات، وجعل الأباء والأمهات يعزفون عن تطعيم أطفالهم، وبالتالي يظل أولئك الأطفال عرضةً للإصابة بالأمراض الخطيرة، وما يحدث الآن من انتشار مريع لأمراض الأطفال، تعود أحد أسبابه إلى رواج الشائعات والمعلومات المضللة حول اللقاحات، والتي أحدثت ذعر لدى الأسر اليمنية.
وهنا تقول السيدة سعود عبده ذات 40 عامًا من مدينة تعز، بأن لديها طفلين أُصيبا بأمراض الأطفال المنتشرة، الأول مصابًا بالسعال الديكي والآخر بالحصبة التي تنتشر في جسمه بين فترةٍ وأخرى. وتشير في حديثها، إلى أنها لم تعمل على تطعيمهم بالقاحات في المراحل العمرية التي ينبغي أن يحصل جسمهما عليها.
وتضيف بأنها أرادت أن تطعم طفليها باللقاحات منذ صغرهما لكن زوجها وعائلته كانوا يرفضون ذلك ويعتقدون بأن التلقيح سيؤثر عليهما ويسبب لهما الأمراض، وبأن عليهم أن يكتفون بالمناعة التي من المرجح أن يكسبوها في حياتهم. وذلك هو موقف العديد من الأسر التي جثمت على أذهانها الشائعات والمعلومات المضللة والمزيفة.

استنفار صحفي
تلاقي الشائعات انتشار واسع بين الناس وقبولًا؛ خصوصًا أثناء الأزمات والأوضاع الحساسة كما هو الحال في بلادنا الآن، وغالبًا تكون المعلومات الخاطئة في هذه الأوقات مؤثرة جدًا في بناء قرارات يكون لها تداعيات سلبية بكل تأكيد على المجمتع، ما يستدعي بأن يكون هناك دور مهم لوسائل الإعلام، كما يرى الصحفي الاستقصائي والمتخصص في التحقيقات مفتوحة المصدر، عبدالله المعمري.
يتضح بأن المعمري يعوّل كثيرًا على دور الإعلام لإحداث ما سماه بـ"استنفار صحفي" لمواجهة هذه الشائعات كجزء من الحلول الممكنة، والعمل على وأدها من خلال تفنيدها ونشر الحقائق وتضمين مصادرها الأساسية، وبالتالي ينبغي أن تكون هناك وحدة تحقق وتدقيق في كل وسيلة إعلامية وصحفية لتتبع الشائعات ودحضها وكشف تضليلها.
ويشير المعمري إلى أنه يجب التركيز على جمهور السوشيال ميديا أثناء عمليات التحقق وكشف التضليل لضمان حصولهم على المعلومات الصحيحة، أيضًا من ضمن الحلول، التأكد من دقة المعلومات وصحتها، ويكون ذلك بالوصول إلى المصادر الأساسية والأصلية للمعنين في المحتوى أو المعلومات المنشورة والاعتماد عليها سواءً كانت ترتبط بأشخاص أو جهات أو مؤسسات، إضافةً إلى التعامل مع أي محتوى بنوع من الشك حتى يتنامى دافع التحقق دائمًا لديك عزيزي القارئ.

أدوات التحقق
مثلما وجدت الظروف التي ساعدت في الانتشار السريع للشائعات في ظل الثورة التقنية الحاصلة والطفرة الذكية المصاحبة لها، أيضًا توفرت أدوات وتقنيات بسيطة وسهلة، يمكن أن تشكل خصمًا مضادًا لمواجهة الشائعات وكشف التضليل الذي يكسو المعلومات، إلى جانب تنمية الأساليب الذهنية والعمل عليها لمعرفة المحتوى الحقيقي من الزائف، والمصدر الصادق من الكاذب. 
وبحسب المعمري، هناك العديد من أدوات التحقق يمكن لمستخدمي الأنترنت والصحفيين استخدامها، مثل البحث العكسي للصور باستخدام عدسة جوجل Google Lens أو Google images،مواقع TinEye، موقع Yandex، وأيضًا أداة موقع Baidu، ومن خلالها يمكنك إدخال الصور التي تريد التحقق منها وستتمكن من الوصول إلى المصادر الأصلية والأولية لنشر الصور بالتاريخ والبيانات وأيضًا الاطلاع على الصور المشابهة ومعرفة إن كان هناك تضليل أو تلاعب لعناصر الصورة.
أما طريقة التحقق من معلومات معينة حول أي موضوع، فيمكنك الاعتماد على البحث العادي أو المتقدم، للوصول إلى المصادر الرئيسية المعنية بالنشر عن تلك المواضيع، على سبيل المثال عند تأكدك من معلومة حول الصحة أو اللقاحات يمكنك البحث عن الموقع الإلكتروني الرسمي لمنظمة الصحة العالمية أو منظمة اليونيسف أو البحث عن حساباتها الرسمية والموثقة في منصات التواصل، فهي أكثر المصادر الموثوقة والمؤكدة بلاشك في هذا الشأن، وهكذا مع بقية المواضيع والمجالات.
وعن التحقق من الفيديوهات، هناك أداة تتوفر على الإنترنت وبسهولة يمكن الوصول إليها عن طريق محرك جوجل كروم Google Chrome وهي أداة "InVID"، حيث تستطيع الوصول إلى المصادر الأصلية والأولية التي نشرت الفيديو المقصود وتتبعه ومعرفة إن كان هناك تلاعب أو تضليل فيه، بالإضافة إلى ذلك هناك أيضًا أداة مماثلة عملت على تطويرها منظمة العفو الدولية وهي ‏"YouTube Data Viewer‏".