شباب يصنعون الفرق: كيف يعيد المجتمع المدني الأمل؟

شباب يصنعون الفرق: كيف يعيد المجتمع المدني الأمل؟
كتبت/ ريم الربيعي
في عالم يشهد تحولات متسارعة وتغيرات جذرية في القيم والمفاهيم، يُطرح سؤال أساسي: ما هو دور الشباب في صناعة التغيير؟ وهل ما زال بإمكانهم الإيمان بأن لهم مكانًا فاعلًا في مجتمعاتهم؟ الإجابة تبدأ من فهم علاقة الشباب بالمجتمع المدني، هذا الفضاء الذي لا ينتمي إلى الدولة ولا إلى السوق، بل إلى الناس، إلى المبادرة، إلى الحلم الجماعي بالعدالة والمشاركة والكرامة.
الشباب هم الطاقة الحية في أي مجتمع، وهم الفئة التي غالبًا ما تُهمَّش في القرار وتُستدعى فقط عند الحاجة إلى التجميل أو التسويق أو ملء الكراسي. ورغم ذلك، فقد أثبتت التجارب في مختلف أنحاء العالم، ومن بينها تونس، أن الشباب قادرون على إحداث الفارق حين تتوفر لهم الفرصة والفضاء المناسب للتعبير والمساهمة.
الانخراط في المجتمع المدني لا يعني فقط الانتماء إلى جمعية أو منظمة، بل هو فعل يومي، نابع من قناعة بأن لكل فرد قدرة على التأثير، مهما كان موقعه. هو انخراط في الشأن العام، في القضايا البيئية، في محاربة العنف، في نشر ثقافة المساواة، في الدفاع عن حقوق المهمشين، في مساءلة السلطات، وفي بناء مجتمعات أكثر عدلًا.
لكن هذا الانخراط لا يتم تلقائيًا. فالشباب اليوم يواجهون تحديات كبيرة: بطالة، تهميش، فقدان الثقة في المؤسسات، وشعور متنامٍ باللاجدوى. في هذا السياق، يصبح المجتمع المدني حيزًا مقاومًا، بديلاً عن فضاءات مغلقة، ومنبرًا حرًّا في زمن تُقيَّد فيه الحريات أحيانًا باسم الأمن أو الدين أو التقاليد.
ورغم ما يُقال عن "عزوف" الشباب، فإن الواقع يكشف أن كثيرًا منهم يخترعون أشكالًا جديدة من المشاركة: مبادرات رقمية، وحملات بيئية، ومشاريع تضامنية، ومجموعات ثقافية وفنية... لقد غيّروا مفهوم العمل المدني، ولم يعودوا ينتظرون التمويلات أو التراخيص، بل ينطلقون من الميدان، ومن حاجاتهم، ومن تجاربهم، ومن أحيائهم ومدارسهم ومواقع التواصل.
من المهم اليوم أن نعترف بهذا الشكل الجديد من الانخراط، وأن نوفر له الدعم لا الرقابة، والثقة لا التوجيه، والحماية لا الإقصاء. لأن المجتمعات التي لا تصغي لشبابها، تفقد نبضها. ولأن الديمقراطية لا تُبنى فقط في البرلمان، بل تبدأ من الحي، ومن الصف، ومن الجمعيات، ومن المبادرات التي يقودها الشباب، الذين آمنوا أن بإمكانهم التغيير، رغم كل شيء.
في النهاية، يبقى الانخراط المدني فعلًا سياسيًا نبيلًا، لا بالمعنى الحزبي الضيق، بل بالمعنى الواسع الذي يجعل من كل شاب وشابة مواطنًا واعيًا، لا يكتفي بالتذمّر، بل يشارك، ويُسائل، ويحلم، ويعمل.