أزمة الأمن الغذائي في اليمن

تقرير تحليلي صحفي موثق بالبيانات والمقابلات

أزمة الأمن الغذائي في اليمن

كتبت/ أمل السبلاني 

   يعاني اليمن اليوم من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهي أزمة ممتدة منذ عام 2016، حيث يواجهها نحو 83% من السكان، من بينهم مليونا طفل وفق تقديرات منظمة اليونيسف، وحوالي 1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة. ويعد النازحون من أكثر الفئات تضررا من هذه الأزمة.

   يعود تدهور الأمن الغذائي في اليمن إلى مجموعة من الأسباب المتشابكة، في مقدمتها الصراع المستمر منذ سنوات والذي أدى إلى انهيار البنية التحتية وتراجع القدرة الإنتاجية في مختلف القطاعات. كما ساهم التضخم العالمي والتأثير غير المباشر للحرب في أوكرانيا في تفاقم الأزمة، بعد أن تسببت في اضطراب إمدادات القمح وارتفاع أسعار المواد الأساسية على نحو غير مسبوق.

   وأدت الحرب وتداعياتها إلى تعطيل الوصول إلى الخدمات العامة، خاصة الصحية، وتسببت في ارتفاع جنوني لأسعار الغذاء في ظل تراجع مصادر الدخل وندرة فرص العمل. كما تدهور الإنتاج الزراعي نتيجة صعوبة الوصول إلى المدخلات الأساسية مثل البذور والأسمدة والوقود ومضخات الري، الأمر الذي جعل الزراعة في مناطق واسعة من البلاد شبه متوقفة.

   ولم يقتصر الضرر على الزراعة فحسب، بل طال الإنتاج الحيواني والسمكي أيضًا، إذ فرضت قيود قاسية على التصدير، وفقد كثير من الصيادين قواربهم ومعداتهم، مما أدى إلى انهيار مصدر رزق رئيس لآلاف الأسر الساحلية. وزاد من عمق الأزمة تضرر ميناء الحديدة، الذي يعد الشريان الرئيسي لواردات البلاد الغذائية، حيث تمر عبره نحو 90% من الأغذية الأساسية التي يعتمد عليها اليمنيون في حياتهم اليومية.

 

لكن ما تأثير تدهور الأمن الغذائي على الشباب؟

   وضح عبدالله النهمي، المدير العام للمشروع لدى منظمة أدرا للتنمية، في حوار خاص مع منصة نون وشين، أن تأثير أزمة الأمن الغذائي على الشباب واضح ونتائجها متعددة، إذ دفعت الكثير من الأسر إلى تسريب أبنائها الشباب من التعليم للبحث عن عمل يسد فجوة الحاجة إلى الغذاء، وفي كثير من الأحيان إلى الالتحاق بالصراع.

   من جانبها، أشارت الدكتورة عبير شائف، اختصاصية التغذية لدى منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، في حوار خاص مع منصة نون وشين، إلى أن تأثير الأمن الغذائي طال جميع الفئات، وخاصة الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، وذوي الاحتياجات الخاصة، والنازحين، وكبار السن.

   وعن العلاقة بين الشباب والأمن الغذائي، تقول شائف: "يتأثر ويؤثر كل منهما بالآخر، فالشباب في مرحلة العمل، وترتبط سبل عيشهم بمدى اكتسابهم للخبرة والشهادات، كما أن قلة الغذاء تؤثر سلبا على قدرتهم على العمل بكفاءة".

   وتضيف: "لكن من الناحية العلمية، هناك إشكالية في تحديد مؤشرات الأمن الغذائي، إذ لا يتم قياسه بشكل مباشر أو مخصص لفئة الشباب، ومعظم المعلومات المتوفرة هي استنتاجات أو استنباطات. والطريقة الأمثل لتحديد هذه المشكلة هي البحث النوعي عبر المقابلات المعمقة ومجموعات النقاش أو من خلال المسوحات المستهدفة لهذه الفئة".

   لتخفيف حدة أزمة الأمن الغذائي في اليمن، يعد دعم التمويل الدولي الموجه لتحسين الأنظمة الغذائية وضمان الوصول إليها خطوة أساسية، إلى جانب تعزيز سبل العيش الريفية وإعادة تأهيل الزراعة المجتمعية. كما يجب معالجة مشكلة ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية، والحد من البطالة من خلال خلق فرص عمل جديدة وتوفير مصادر دخل ثابتة للأسر الضعيفة، مع ضرورة تمكين المرأة اقتصاديا لتعزيز قدرتها على المساهمة في استقرار الأمن الغذائي.

   إلى جانب ذلك، تحتاج البنية الزراعية والمائية إلى إعادة تأهيل شاملة، بما في ذلك تحسين الوصول إلى المياه وشبكات الري وتعبيد الطرق الريفية، مما يسهم في جعل الغذاء متاحا بأسعار معقولة. ويمكن تعزيز الأمن الغذائي من خلال الاستثمارات الفاعلة بين القطاعين العام والخاص لتأمين مخزون غذائي مستدام يفي باحتياجات المجتمع ضمن أطر تجارية منظمة.

   كما يجب رفع مستوى الوعي الصحي لدى الأفراد، خاصة بشأن الأمراض المنتقلة عن طريق المياه والإصحاح، وتأمين المستلزمات والمواد الصحية اللازمة للحفاظ على النظافة العامة.

   وتلعب التكنولوجيا الحديثة دورا مهما في تحسين أساليب الإنتاج والتخزين، بينما تساعد البحوث والدراسات المتخصصة في بناء سياسات دقيقة وواقعية للتعامل مع هذه الأزمة، بما يضمن مراعاة احتياجات جميع فئات المجتمع، وخاصة الشباب.

   وحسب ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمكن الأفراد من الحصول على أغذية كافية وصحية، وتتوفر القدرة على إنتاج السلع واستيرادها وتخزينها وتوزيعها أثناء الأزمات، مع تقليل مخاطر تقلبات السوق والتغيرات الموسمية.