كيف يستقبل اليمنيون عيد الفطر؟
كيف يَستقبل اليمنيون عيد الفطر؟
تَبدأ استعدادات عيد الفطر في اليمن منذ أيام الشهر الفضيل، حيث فيه تُعطى زكاة الفطر للمحتاجين، وتنظف المنازل جيدًا، ويُجهز “كبش العيد” وتَشهد الأسواق إقبالاً كبيرًا من الناس، استعدادًا للاحتفال بحلول عيد الفطر، المرتبط بشراء الملابس الجديدة وبتقديم الحلويات والمكسرات المتنوعة، إلى جانب وضع مصروف الجيب الذي سيتم توزيعه على الأطفال.
وعلى الرغم من أن متطلبات العيد تُشكل عبئًا على الكثير من الأسر اليمنيّة بسبب الظروف المعيشيّة الصعبة، إلا أنها تسعى جاهدة لتوفيرها وخاصةً للأطفال، والذي يَتمثل لهم العيد في الثياب الجديدة والعيديّة، وهو الفرحة التي ما بعدها فرحة. تقول أم الآء (عدن): «أشعر بالسعادة الكبيرة عندما أرى صغاري يرتدون ثياب العيد، أعيش نفس الفرحة التي كنت أشعر بها في طفولتي، وعندما أنظر إليها، أشعر كأنني أنا من سيتزين بها».
تَحتفظ كل مدينة في اليمن بطابع فريد في طقوس وعادات عيد الفطر، ومع ذلك، تتشابه في أجوائها المفعمة بالبهجة والفرح. ويمكننا وصف هذا اليوم ببساطته بـ "يوم الزينة"، الذي يتميز بخصوصيته، وبتنوع الطقوس والتقاليد التي تتبعها الأسر، وبخلوه من الأعباء العمليّة المعتادة في الأيام العاديّة. وهذا الوصف الدقيق جاء من تجربة الرحالة البريطانيّة فريا ستارك خلال زيارتها لمدينة شبام في حضرموت، حيث لاحظت الأجواء الاستثنائيّة التي يعيشها الناس في يوم العيد، وشعورهم بالسعادة والبهجة، واستمتاعهم بفترة من الراحة والاستجمام بعيدًا عن ضغوط العمل والمسؤوليات اليوميّة.
وفي وصف أجواء العيد في عدن يقول الصحفي فهمي العليمي في حواره مع (منصة نون وشين): «تَجد في كل زاوية من أركان بيوتها وأزقتها ثمة رائحة جميلة تذكرك بخصوصيّة العيد في عدن، المدينة التي تشكّل شواطئها الجميلة، وأسواقها الكبيرة، وملاهيها المتنوعة، ومولاتها الكبيرة والكثيرة، وجهة للعدنيين في العيد وملاذًا للكثير من العائلات القادمة من الخارج»، ولقد أكد لنا العليمي أن مدينة عدن ظلت محافظة على طقوسها وموروثها العيدي رغم تنوع سكانها الديموغرافي.
وإضافة إلى الاحتفالات المشتركة في مختلف مدن اليمن بعيد الفطر، يُمارس اليمنيون تقليدًا متجذرًا في صباح اليوم الأول، حيث يستيقظون على صوت التكبيرات المنبعثة من المآذن، ثم يتوجهون إلى المساجد لأداء صلاة العيد، والتي تُعد فرصة قيّمة لتبادل التهاني العيديّة والمصافحة بين الجيران والأصدقاء. وبمجرد انتهاء الصلاة، تمتلئ البيوت بجموعة متنوعة من الروائح الطيبة، حيث يَملأ عُبق العود والبخور والفل والمشموم والكاذي والأخضرين الأرجاء. ويبدأ أطفال الحي بالطرق على الأبواب بفرح وسعادة للحصول على العيديّة. ويَنضم أفراد الأسرة والأقارب إلى هذه الاحتفالات، حيث يتبادلون التهاني والضحكات ويشاركون في وجبات العيد المميزة.
يُعَد ذبح الأضاحي جزءًا لا يتجزأ من تقاليد العيد، إذ يتم توزيعها بين الأقارب كصدقة أو صلة. وبالطبع، يرتدي الجميع، وخاصة الأطفال، الملابس الخاصة بيوم العيد، حيث يبرز الزي التقليدي بشكل واضح. وعلى سبيل المثال في صنعاء، يلبس الرجال الثوب والقميص والكوت، وتُضاف إليها الغترة والجنبية وأحيانًا المسدس. بينما في عدن، يرتدي معظم الرجال الشميز والمعوز. وفي المكلا، وفقًا لما ذكره الدكتور عبد الله الجعيدي في كتابه "أوراق مكلاوية" "يلبس أغلب ملابسًا متشابهة ذات ماركات محددة، مما يجعلهم يبدون كأنهم من أسرة واحدة (..) ويفخر البعض من الكبار والصغار، خاصةً الذين لديهم أقارب في الخارج، بارتداء الملابس العصريّة الزاهيّة، ويتبارى الكبار في عرض الفوط "المعاوز" أو الصوارين، ذات الماركات المعروفة مثل "بوقارورة"، "بوفيل"، "سمرندي بن علوي"، "الباشا"، وغيرها. ويحرص البعض على بقاء أوراق الماركات التجارية ملصقة على الملابس، والحليم تكفيه الإشارة».
الاحتفال بعيد الفطر في اليمن يُعد تقليدًا عميقًا ومتجذرًا في قلوب سكان هذا البلد الطيب. يحتفلون به في كل عام بتواضع وبساطة، وقلوبهم مشعة بالأمل والتفاؤل رغم تحديات الحياة ومصاعبها. إنهم يَجسدون بالفعل الأبيات التي ألقاها المتنبي "عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ" وهي جزء من قصيدة نظمها قُبيل عيد الأضحى المبارك، تعبيراً ع انتظاره أن يحمل له العيد الأخبار السارة.