التربية الوطنية: نبض الوطن ودليل المواطن

التربية الوطنية: نبض الوطن ودليل المواطن

التربية الوطنية: نبض الوطن ودليل المواطن

كتبت/ ريم الربيعي

   التربية الوطنية ليست مجرد مادة تُختزل في نصوص جامدة تُحفظ، بل هي فعل يسري في وعي الأفراد، ويشكّل إحساسهم العميق بالانتماء والمسؤولية تجاه وطنهم. فهي نقش على جدران القلب، لا يُمحى مهما حدث، ولا ينتفض برياح الغربة إن هبّت على الأجساد.

   تنمو التربية الوطنية مع الطفل منذ لحظة إدراكه الأولى، حين يسمع صوت النشيد الوطني في الصباح، أو يرى علم بلاده يرفرف عاليًا، أو عندما يجلس ليستمع إلى حكايات الأجداد عن أرض ناضلت من أجل استقلالها وحرية أبنائها. ذاك الطفل الذي يُزرع في قلبه حب الوطن.

   الوطن ليس فقط ذلك الامتداد الترابي الذي نعيش فيه، وليس مجرد خريطة تُرسم على الورق، ولا هو حدود تحرسها الأسلاك، بل هو نبض يسري في العروق، ولغة تنساب بين الحناجر، وذكرى تتردد في الأزقة والميادين. هو الطفولة التي تركناها على أرصفته، والشمس التي داعبت وجوهنا على شرفاته، والرائحة التي تعبق بها جدرانه كلما هطلت السماء شوقًا على ترابه.

   التربية على الوطنية تخلق فينا فكرة الهوية من خلال حنين الأغاني، والدمعة التي تختبئ في العين حين يُذكر اسم البلاد. هي فعل ومسؤولية، وبيت كبير يحتضن الجميع على اختلاف أفكارهم وأحلامهم ومواقفهم.

   إنها ذلك الشعور الذي يجعل الإنسان يرى في أرضه أكثر من مجرد مساحة جغرافية، وفي تراثه أكثر من ماضٍ مدفون في الكتب، وفي شعبه أكثر من وجوه عابرة في شوارع المدن. إنها تُزرع في القلب قبل أن تُكتب في الدفاتر وتُدرَّس في المدارس. هي الوعد الذي نقطعه سرًا مع الأرض، أن نكون لها كما كانت لنا، أن نحفظ ملامحها في أعيننا، وأن نصون أسماء شوارعها كما نصون أسماء من نحب.

   وهي أن نبني كما بنى الذين سبقونا، أن نحلم كما حلموا، أن نُكمل الحكاية التي بدأوها بأيادٍ متعبة وقلوب مؤمنة. أن نزرع في الأرض شجرًا، وفي الأفق أملًا، وفي الأجيال القادمة يقينًا بأن الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو الحياة التي تستحق أن نعيش لها.

   إنها ذلك الشعور الذي يجعلنا نغلق أيدينا على حفنة من تراب الوطن كأنها كنز، ونردد نشيده كما نردد دعاء يُقال عند الفجر، وننظر إلى رايته وهي ترفرف كأنها طائر خُلق من الحرية. إنها الحب الذي لا يحتاج إلى دليل، والانتماء الذي لا يخبو مهما باعدت بيننا المسافات.

   فيا أيها الوطن الساكن فينا، لست مجرد رقعة جغرافية نقيم فوقها، بل أنت القصيدة التي نحفظها دون أن ندرسها، والأغنية التي تسكننا قبل أن نولد، والسؤال الذي لا يحتاج إلى إجابة: كيف لا نحبك وأنت نحن؟

   وما قيمة الوطنية إن لم تكن سلوكًا يُمارَس؟ ليس الانتماء للوطن مجرد شعور عاطفي أو شعار يُرفع عند الحاجة، بل هو التزام ومسؤولية في كل تفصيلة من حياتنا. يمكننا أن نكون وطنيين حين نحافظ على الممتلكات العامة كأنها ملك لنا، وحين نحترم القوانين لا خوفًا من العقوبة بل احترامًا للنظام، وحين نجتهد في أعمالنا وندفع عجلة التنمية إلى الأمام.

   وفي زمن الحداثة والتطور السريع، تزداد أهمية التربية الوطنية أكثر من أي وقت مضى. ففي عالم تداخلت فيه الثقافات، وتوسعت فيه المسافات بفضل التكنولوجيا، قد يبدو الوطن فكرة مهددة بالذوبان في عولمة لا تعترف بالحدود. 

    هنا، يصبح دور التربية الوطنية أساسيًا في ترسيخ الهوية، دون أن تنغلق على ذاتها، بل تتفاعل مع العالم بانفتاح وثقة، فتأخذ ما ينفعها، وتعطي ما يميزها. وزادًا يحمله المرء معه أينما ذهب، وسندًا يحميه من الضياع وسط تيارات التحولات الكبرى. 

   ومن أحب وطنه بحق، لم يكن مجرد متفرج على مسيرته، بل كان فاعلًا في صنع مستقبله، مؤمنًا بأن حب الوطن ليس قصيدة تُلقى في المناسبات، بل مسؤولية تُمارس في كل لحظة، وشمٌ في الروح، ونشيدٌ في القلب.