أشواك جارحة وصراع مؤذٍ

أشواك جارحة وصراع مؤذٍ
كتبت: ريم درويش
تتجسد بين خلايا العقل أفكارٌ لعينة، مثل "الشك"، الذي يؤذي صاحبه حتمًا، ويدفعه إلى الجنون والعيش في صراع دائم. فلا يستطيع ممارسة حياته كأي إنسان طبيعي، ولا إدارتها بالشكل الصحيح.
وأثر ذلك الشيء: ظلام دامس، وحياة قلقة على الدوام، وعلاقات متزعزعة، وادعاءات كاذبة، ونثر أشواك الشك الجارحة على من حوله. وهنا تأتي الحقيقة المُرّة: الشك يدمر كل شيء.
كانت بداية قصة محمد وسارة أشبه بحكاية دافئة؛ علاقة قوية يشهد لها الجميع، يحيطها الحب والاحترام. ومع بداية الشتاء، حين كانت السماء تمطر، والهواء يرسل نسمات الحب الباردة، برائحة الحنين، أعلنا زواجهما على سنة الله ورسوله.
انطلقت حياتهما الزوجية بأجواء من المودة والاهتمام، وكلٌّ منهما كان يخفف عن الآخر أعباء الحياة، ويواسيه في لحظات الحزن. ورغم ما كان يحدث أحيانًا من خلافات بسيطة، إلا أنها سرعان ما كانت تُحل، لتعود بينهما لحظات الدفء والمشاركة.
ومع مرور السنوات، أدركا أن حياتهما باتت تفتقد شيئًا جوهريًا اسمه "ثقة". فقد تسلل الشك إلى قلبيهما، فذبلت مشاعر كانت يومًا نابضة، وجفّت تلك الأرض التي كانت مليئة ببذور الحب والطمأنينة.
ازدادت الفجوات بينهما، وانقطع خيط العلاقة، ولم تشفع لهما تلك الذكريات الجميلة ولا المواقف السابقة، ليعودا كما كانا. كلٌّ يتهم الآخر، ولياليهم أصبحت يكسوها السواد، وستار الألم يخيم عليهم.
الشكُّ مرضٌ خبيث، ينتشر في عقل صاحبه، ومن الصعب معالجته، ومن الأصعب العيش مع من يحمله. وهكذا كانت النهاية: انفصال تام، تصاحبه الكراهية والاتهامات.
الشك ... ذاك الضيف الثقيل الذي يتسلل إلى العقول دون استئذان، ويربك القلوب، ويعكر صفو الأرواح، لم يُجمع العلماء على سببٍ قاطع يفسّر نشأته في النفس، لكنهم يرون أن جذوره قد تمتد إلى خيوط الجينات المتوارثة، فكثيرًا ما يُلازم العائلات التي يطرق بابها داء الفصام وأخواته من اضطرابات الذهان.
أما أضراره، فهي كالسُّم، يسري في العروق ببطءٍ قاتل؛ إذ يُطفئ جذوة المشاعر، ويغلق أبواب القلوب، فيعيش صاحبه في عزلةٍ باردة، عاجزًا عن بناء جسور الثقة مع الآخرين، ويتحوّل إلى شخص متحكّم، غيور إلى حدّ الإفراط، يظن أن إحكام قبضته على من حوله سيقيه خيانتهم، بينما هو في الحقيقة يُقصيهم عنه شيئًا فشيئًا.
تراه عنيدًا، سريعَ الجدال، يتشبث برأيه كأن الصواب لا يُولد إلا من منطقه، غير قادر على رؤية زلاته أو الاعتراف بخطاياه. يفتقد الطمأنينة، ويعجز عن الهدوء، وتتأجج في صدره نيران القلق والتوتر.
لكن لكل داءٍ دواء، وعلاج الشك يبدأ بخطوة صادقة نحو النفس؛ أن تفتّش عن السبب الحقيقي وراء شكوكك، وتُراجع أفكارك بوعي، فلا تركن إلى أوهام صنعها خيالك، بل انظر بعين العقل والإنصاف إلى أفعال من حولك.
دلّل نفسك بالهدوء، ودرّبها على تمارين الاسترخاء، ولا تسلّم زمامك للعصبية والقلق. واعتصم بالله، وتعوّذ من وساوس الشيطان، واقرأ كتاب الله، ففي كلماته شفاء للقلوب وطمأنينة للنفس. وإن رأيت في أعماقك جذورًا لهذا الداء، فلا تتردّد في اللجوء إلى طبيب نفسي تثق به، وافتح له صندوقك المليء بالشكوك، فقد يكون بيده المفتاح للخلاص.