"وسيطات مأرب" نموذج للتأثير المجتمعي وحل النزاعات

"وسيطات مأرب" نموذج للتأثير المجتمعي وحل النزاعات

"وسيطات مأرب" نموذج للتأثير المجتمعي وحل النزاعات
كتبت/ لطيفة الظفيري

   تُعد النساء اليمنيات مصدرًا قويًا في مجال الوساطة، إذ يمتلكن قدرة عالية على التعامل مع موضوعات متنوعة، مما يُساعدهن في تعزيز السلام داخل مجتمعاتهن المحليّة. بالإضافة إلى ذلك، يُساهم حسّهن الإنساني وامتلاكهن لمهارات متميزة في إحداث تغييرات إيجابية ملموسة تنعكس بوضوح على حياة الأفراد في المجتمع المحلي. في مأرب، شرق العاصمة صنعاء، لعبت الفتيات والنساء أدوارًا مهمة في تعزيز الحوار وبناء السلام داخل مجتمعاتهن.

   علياء العباسي، 34 عامًا، واحدة من الفتيات والنساء المأربيات اللاتي شاركن في الوساطة المحلية، تنتمي إلى مديرية الجوبة بمحافظة مأرب، التي تبعد عن العاصمة صنعاء 173 كيلو مترًا. بدأت العمل كوسيطة محلية منذ العام 2013م، ضمن فريق من طلاب وطالبات جامعة إقليم سبأ.

   على صعيد متصل، توضّح عضو شبكة ركائز للسلام ومستشارة فريق الشباب لدعم الوساطة في الجوف ومأرب، وضحى ربيع، 30 عامًا، وتنتمي إلى مديرية صرواح، أنها بدأت الانخراط في الوساطة المحلية منذ العام 2018م، من خلال العمل على حل قضايا مجتمعية بسيطة على مستوى مديريتها، ثم تطورت لتشمل تعزيز الحوار بين المدنيين والجهات الأمنية في المناطق القريبة من الصراع، بهدف إيجاد حلول تضمن حقوق الجميع.

العرف يعزّز دور نساء مأرب
   تُعد مأرب نموذجًا مميزًا في تعزيز السلام من خلال الأعراف القبلية، التي تلعب دورًا جوهريًا في تماسك المجتمع وحل النزاعات، حيث تُشكّل القيم أسسًا قوية للتعايش السلمي، مثل العفو والتسامح، ما يوجّه الأفراد والجماعات نحو بناء جسور التفاهم والاحترام المتبادل. تعمل هذه الأعراف كإطار قيمي يسهم في تعزيز الاستقرار وإيجاد حلول مستدامة للنزاعات على مستوى المجتمع المحلي.

   ووفقًا لرئيس مؤتمر مأرب الجامع، الشيخ عبد الحق نمران، فإن الأعراف القبلية تُعطي المرأة مكانة عالية تصل إلى حد القداسة؛ فعلى سبيل المثال، يُجرّم العرف القبلي قتل شخص برفقة امرأة، حتى وإن كان هذا الشخص قد ارتكب جريمة بحق أحد أفراد أسرتك.

   ويضيف نمران: في حال وقوع اشتباكات قبلية بين طرفين في مواقع متقاربة، قد يعجز الوسطاء عن التدخل لوقف النزاع، لكن دخول النساء، حتى وإن كُنّ من أحد الأطراف، يؤدي إلى توقف الاشتباك فور رؤيتهن، إذ تقضي الأعراف بذلك. وجودهن يمنح الأمان للأفراد غير القادرين على الانسحاب، مما يتيح لهم الخروج دون التعرّض لإطلاق النار.

   وفي السياق نفسه، تشير المدير التنفيذي لمؤسسة فتيات مأرب، أروى الرمال، إلى أن مكانة الأسرة والقبيلة تدعم دور النساء الوسيطات اللاتي ينتمين لتلك الأسر والقبائل، مضيفةً أن الأعراف القبلية تحترم المرأة، خصوصًا عندما تأتي بصفتها "مُصلحة"، مما يمنحها حصانة نسبية أثناء التوسط.

   بدورهما، أكدت كلٌّ من علياء وضحى أن الأعراف القبلية الأصيلة ساعدتهن على تحقيق التواصل الفعال مع الأطراف المعنية، بما في ذلك التعاون مع المشايخ المحليين، ما انعكس إيجابيًا على نجاحهن في الوساطة المحلية.

   كما أنه، ووفقًا للأعراف القبلية، تُستخدم وسائل خاصة لحل القضايا الأكثر تعقيدًا عندما يواجه الوسطاء صعوبة كبيرة في الوصول إلى حلول مرضية. من هذه الوسائل تقديم "النزيلة" أو "النزايل"، حيث يقوم الوسطاء بوضع الفتيات من أسرهم في موقع الطرف المعني بالقضية كرمز للثقة وضمان احترام الطرف الآخر. في هذه الحالات، يُعد احترام "النزيلة" والامتثال لطلب الوسطاء أمرًا واجبًا وفقًا للتقاليد، إذ يُعد رفضها عيبًا كبيرًا ووصمة عار في العرف القبلي. هذه الطريقة تعكس أهمية المرأة ومكانتها العالية في الثقافة القبلية.

   وفي المقابل، توضّح الرمال أن بعض النساء لا يزلن يقمن بهذا الدور، "خصوصًا في النزاعات القبلية أو الخلافات الأسرية الكبرى، لكن بشكل أقل مما كان عليه في الماضي بسبب تغيّر الظروف الاجتماعية والسياسية".

إسهامات النساء في الوساطة المحلية
   بحسب تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة "مشاركة المرأة في جهود الوساطة المحلية"، اضطلعت المرأة بدور رئيس في الوساطة لحل النزاعات داخل العائلات والقبائل والمجتمعات المحلية. وقد شاركت النساء اليمنيات في مفاوضات لتأمين ممرات على خطوط المواجهة، وعقد اتفاقات لوقف إطلاق النار، وإدارة الموارد.

   أشارت الرمال إلى أن النساء في مأرب يضطلعن بدور مهم في حل النزاعات العائلية والشخصية، وبين القبائل المختلفة، وتشمل هذه النزاعات قضايا مثل الثأر والنزاع على الأراضي، ومنع وتسوية النزاعات بين الحكومة والقبائل، وتجنّب نشوب الصراعات بين القبائل ذات النفوذ. وتلعب بعض النساء دورًا في التخفيف من التوتر بين النازحين والمجتمع المضيف، إلى جانب التوسط في النزاعات الخاصة بحقوق الفتيات والنساء في التعليم والعمل.

   وفي ذات السياق، شاركت كل من ضحى وعلياء ضمن فريق الشباب لدعم الوساطة في الجوف ومأرب في توثيق 235 حالة مفقودين أثناء الحرب، وساهمن في عدد من المبادرات الحيوية مثل فتح الطرقات في محافظتي الجوف ومأرب، بدعم من الوسطاء المحليين والمشايخ.

   من جهة أخرى، يوضح الشيخ عبد الحق أن هناك تزايدًا ملحوظًا ومنظمًا لدور الوسيطات المحليات في مأرب. مع ذلك، يبقى دور النساء في القضايا الكبرى مرتبطًا بدور الوسطاء الرجال الذين يحددون الأوقات المناسبة لتدخلهن في الوساطة بأي شكل من الأشكال.

   وعلى الرغم من النجاحات، تواجه الفتيات والنساء الوسيطات في مأرب عددًا من التحديات؛ منها أن بعض الفئات ترفض انخراط النساء في الوساطة، خصوصًا في النزاعات القبلية المعقدة، نتيجة التقاليد أو الاعتبارات الاجتماعية. كما يشكل التدخل في النزاعات المسلحة أو التوترات القبلية خطرًا كبيرًا، مما يعرّض الوسيطات لمخاطر جسيمة. كذلك لا توجد جهة رسمية توفر الحماية والدعم للنساء الوسيطات، مما يجعل دورهن عرضة للضغوط الاجتماعية والسياسية. إلى جانب ذلك، نادرًا ما تحظى الوسيطات بالاعتراف الرسمي بأدوارهن، مما يحدّ من تأثير جهودهن، وفقًا لأروى الرمال.

ختامًا
   أثبتت نساء مأرب أنهن عنصر أساسي في تعزيز السلام وحل النزاعات داخل مجتمعاتهن المحلية، مستفيدات من الأعراف القَبَلية الحميدة التي تدعم حضورهن ومشاركتهن.