الصحة النفسية للشباب: رهان الحاضر والمستقبل

الصحة النفسية للشباب: رهان الحاضر والمستقبل

الصحة النفسية للشباب: رهان الحاضر والمستقبل

كتبت/ ريم الربيعي
   في عالم يتسارع بخطى غير مسبوقة، أصبحت الصحة النفسية للشباب إحدى القضايا الجوهرية التي تستدعي اهتمامًا خاصًا. فالضغوط اليومية، والتغيرات الاجتماعية، والتطورات التكنولوجية، والانتظارات العالية التي تُفرض على هذه الفئة، كلها عوامل تجعل الشباب أكثر عرضة للاضطرابات النفسية.

    والصحة النفسية ليست مجرد غياب للمرض، بل هي حالة من التوازن الداخلي التي تمكِّن الفرد من التعامل مع تحديات الحياة، والإنتاج بفعالية، والمساهمة بشكل إيجابي في مجتمعه.

   تتنوع أسباب الضغوط النفسية لدى الشباب بين عوامل شخصية، وأسرية، ومجتمعية. ففي ظل العولمة والانفتاح الإعلامي، يعيش الشباب مقارنات دائمة مع أقرانهم في مختلف أنحاء العالم، مما يعمق الإحساس بالنقص أو بعدم الكفاية. 

   كما تلعب البطالة، وضبابية المستقبل المهني، والأزمات الاقتصادية دورًا مؤثرًا في زيادة مشاعر القلق والاكتئاب. ولا يمكن تجاهل أثر التفكك الأسري، والعنف الأسري أو المجتمعي، الذي يجعل الكثيرين يفقدون إحساسهم بالأمان والدعم العاطفي.

   فاضطراب الصحة النفسية لا يظهر دائمًا بشكل واضح، بل قد يتجلى في أعراض خفية مثل الانطواء، وفقدان الحافز، تراجع الأداء الدراسي أو المهني، وحتى السلوكيات الخطرة كالإدمان أو محاولات الانتحار. هذه الاضطرابات لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تمتد لتشمل العائلة، والمجتمع، والاقتصاد، مما يجعل التعامل مع هذه الظاهرة ضرورة قصوى وليست خيارًا.

كيف يمكن دعم الصحة النفسية للشباب؟
   إن أولى خطوات الدعم تبدأ بالاعتراف بأهمية الصحة النفسية ورفع وصمة العار المرتبطة بها. فالتحدث عن المشاعر والمشاكل النفسية يجب ألا يكون أمرًا محرجًا. على الأسرة أن توفر بيئة آمنة للحوار، والمدارس والجامعات مطالبة بإدماج برامج للتربية النفسية ودعم الطلاب. كما يجب تعزيز وصول الشباب إلى خدمات الصحة النفسية الميسّرة والموثوقة، سواء عبر العيادات أو المنصات الرقمية.

   إضافة إلى ذلك، يلعب التشجيع على نمط حياة صحي، كالنشاط البدني المنتظم، والتغذية السليمة، وإدارة الوقت بشكل متوازن، دورًا مهمًا في الوقاية من العديد من الاضطرابات النفسية. ولا ننسى أهمية تمكين الشباب من مهارات التكيّف، والتفكير النقدي، وإدارة الأزمات.

   وختامًا، الصحة النفسية للشباب ليست قضية فردية، بل مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الأسر، والمؤسسات التربوية، وصنّاع السياسات، والمجتمع المدني. فبالاستثمار في رفاه الشباب نفسيًا، نحن لا نحمي أفرادًا فقط، بل نبني مجتمعات أكثر تماسُكًا وقدرة على مواجهة تحديات المستقبل.