الخبز الحضرمي( المفحوس)

مقال ثقافي–تراثي

الخبز الحضرمي( المفحوس)

منصة نون وشين 

   يَحكي الخبز الحضرمي، المعروف أيضًا باسم "المفحوس"، قصة رائعة عن التراث والثقافة في حضرموت. عند السؤال عن تفاصيله، ستجد نفسك منغمسًا في وصف دقيق لكل خطوة، من زراعته وسقيه وحصاده، إلى طحنه وعجنه وخبزه، لتتجلى خصوصيته في الموروث الشعبي، حاملة في طياتها معاني الولاء والانتماء للأرض وللآباء والأجداد.

   يُصنع المفحوس من مكونات طبيعية تُعجن وتشكل على هيئة أقراص تُفرد وتُسوى في الفرن التقليدي "التنور"، الذي يمنحها قشرة خارجية هشة ولونًا ذهبيًا مميزًا. ويُقدَّم ساخنًا مع أصناف شهية من المأكولات والعسل البلدي. وعلى الرغم من أن عملية إعداده قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، إلا أنها تتطلب مهارة ودقة، فطرق إعداد هذا الطبق التقليدي الأصيل تنتقل عبر الأجيال، وكما يقول المثل الشعبي: "أعطي الخبز لخبازة".

   يُعد المفحوس وجبة فريدة في وادي حضرموت، وخيارًا مثاليًا لتناول الإفطار أو الغداء في كل أنحاء المنطقة. فهو يُصنع من مكونات ممتازة مثل الأرز الأحمر أو البر أو الدقيق الأسمر، مع إضافة الحبة السوداء والقليل من الملح والسمن. ولا تتوقف مزاياه عند هذا الحد، فهو يتميز أيضًا بقدرته الفائقة على الحفظ، إذ يمكن الاحتفاظ به لأكثر من يومين دون أن يفقد طعمه الشهي.

وفي حال زيادة الكمية المصنوعة في البيوت، يُفتت ويُضاف إليه "الصانة" (البهارات) و"الخَم" (سمك القرش المخفف بالملح) أو "الضدح" (نوع من الخضروات)، ليتحول إلى وجبة عشاء تُعرف باسم خبز الفتة. والمفحوس لا يقتصر على كونه طبقًا للإفطار أو الغداء، بل يشكل قاعدة مثالية لوجبات رئيسة أخرى، مثل المفحوصة والشوربة الحضرميّة، مما يعكس ثراء وتنوع المطبخ الحضرمي.

   وأشار محمد بن صويلح، مدير مكتب الثقافة بدوعن حضرموت، في حديثه مع منصة نون وشين، إلى أن الخبز الحضرمي "المفحوس" ليس مجرد أكلة لذيذة وصحية، بل يُجسد التراث الثقافي. فهو دليل حي على أن الإنسان الحضرمي حافظ على عاداته وتقاليده، ومن الضروري الاحتفاء به، جنبًا إلى جنب مع غيره من الأكلات الشعبية، للحفاظ عليها من الاندثار ومن استبدالها بالأطعمة الدخيلة على السفرة الحضرميّة.

   وختامًا، يُعتبر الخبز الحضرمي "المفحوس" أكثر من مجرد وجبة شهية وصحية؛ فهو مرآة لتراث حضرموت العميق. من طرق إعداده المتوارثة عبر الأجيال إلى مكوناته الطبيعية الأصيلة، يعكس هذا الخبز هوية المنطقة وثقافتها الغنيّة. إنه صورة مشرفة للماضي الممتد إلى الحاضر، تجسد روح الأجداد وعادات الأرض التي لا ينبغي أن تندثر. لذلك، فإن الاحتفاء بهذا الطبق التقليدي واجب على جميع أبناء حضرموت واليمن، كونه رمزًا ثقافيًا وتراثيًا للمنطقة.