"وُسَطاء الجوف"... نجاحات في ظِل تجاهل إعلامي

"وُسَطاء الجوف"... نجاحات في ظِل تجاهل إعلامي

"وُسَطاء الجوف"... نجاحات في ظِل تجاهل إعلامي 

كتبت: لطيفة الظفيري

 ينشط العديد من الشباب في محافظة الجوف في الوساطة من قبل الحرب، حيث أنَّ جَزءاً من الأعراف القَبَلِيَّة الحميدة تُعلي مسألة الصلح ذات البين بين مختلف الفرقاء في النزاعات المختلفة، وغالباً ما تنجح الوساطة المحلية لأن الوُسَطاء جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمعات المحلية التي تعاني من تبعات النزاع.

   محمد حزام (35 عاماً)، ينحدر من مديرية الحزم (مركز محافظة الجوف) التي تبعُد عن العاصمة صنعاء 143 كيلو متراً، وهو واحد من شباب "الجوف" الذين شاركوا في الوساطة المحلية. نشَأ محمد في أسرة قبلية (مَشيَخة قبلية) تعمل في حَلّ النزاعات والخلافات بين أفراد القَبَلِيَّة، وأحياناً بين القبائل المختلفة، حيث ساعده ذلك على القيام بهذا الدور لاحقاً ومساعدة والده (شيخ قًبَلِيّ من الجوف) في جلسات التحكيم القبلي.

   يقول محمد في حديثه إنَّه بدأ العمل كوَسِيطُ محلي في محافظة الجوف في عام 2020، وإنه نَجَحَ "في وساطة لتبادل الأسرى بين طرفيّ الصراع، وإعادة عدد 100 أسيراً لمنازلهم".

   على صعيد متّصل، يوضّح عضو فريق الشباب لدعم الوساطة في الجوف ومأرب، عبد الغني هيجان (28 عاماً)، من مديرية برط، أنه بدأ الانْخِراطَ في الوساطة المحلية منتصف عام 2023، من خلال الفريق الشبابي لدعم الوساطة، والمكون من 12 شاباً وشابة، مبرزاً أنه شارك ضمن الفريق بعمل قاعدة بيانات المفقودين خلال الحرب، حيث تم تَوْثِيق 235 حالة قابلة للزيادة، والمشاركة في مبادرة فَتَحَ الطرقات في محافظتي الجوف ومأرب بدعم من الوُسَطاء المحليين والمشايخ، والمساهمة في إعادة تأهيل الثلاجة الوحيدة في مستشفى هيئة الحزم من خلال توفير مُولِّد كهربائيّ للثلاجة.

الشباب في الوساطة
   وتقوم عملية السلام على مسارات ثلاثة تُسهم في جهود التهدئة وإنهاء الصراع. وباختصار، يشير المسار الأول إلى المناقشات الرسمية بين القادة الحكوميين والعسكريين رفيعي المستوى حيث يركزوا على وقف إطلاق النار ومحادثات السلام والمعاهدات والاتفاقيات الأخرى. أما المسار الثاني، فيشير إلى أنشطة الحوار وحلّ المشكلات غير الرسمية التي تهدف إلى بناء العلاقات بين قادة المجتمع المدني والأفراد المؤثرين الذين لديهم القدرة على التأثير على المستوى الرسمي من خلال الضغط أو الدعوة أو قنوات التشاور. ويشمل المسار الثالث أنشطة الحوار بين المجتمعات المحلية وداخلها على مستوى القواعد الشعبية.

   وقد دَعَمَ المجتمع الدولي إشراك الشباب بشكل متزايد في عملية الوساطة وبناء السلام في النزاعات، حيث أقرت الأمم المتحدة عدة قرارات تدعم هذا الاتجاه، منها قرار مجلس الأمن رقم 2250 لعام 2015 الذي دعا فيه إلى دعم مشاركة الشباب في عملية بناء السلام والأمن ودعم الاستجابة الإنسانية ومرحلة إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.

   ووفقاً لرئيس منظمة وسطاء الإنسانية للتنمية، هادي جمعان، فإن الشباب في الجوف يبذلون "جهوداً كبيرة جداً وأثمرت تلك الجهود على وضع بصمة للشباب في العديد من القضايا والنزاعات المحلية"، سواء النزاعات القَبَلِيَّة، أو النزاع بين أطراف الصراع في اليمن.
ومن جانبه، يؤكد منسّق فريق الشباب لدعم الوساطة في الجوف ومأرب، عدنان إبراهيم، أنَّ شباب الجوف نَجَحَوا في عدد من قضايا الوساطة المحلية منها "المشاركة في فتح بعض الطرقات، ومساعدة الوسطاء في اِنْتِشالُ جثث من الخطوط الامامية عبر الوَسِيطُ هادي جمعان، وإنشاء قاعدة بيانات للمفقودين وغيرها".

نجاحات وتحدّيات
   هناك جهود كثيرة تبذل في المسار الثالث تحديداً في ما يتعلّق بالوساطة المحلية، حيث شارك فيها الشباب بشكل أو بآخر في محافظة الجوف، إلا أنها ظلّت جهوداً محلية ولم يُسمع عنها بشكل الذي يجب أن يكون ظاهراً ونموذجاً يُحْتَذَى بِهِ. في ضوء ذلك، يقول عدنان إبراهيم إن البيئة المحلية والأعراف في محافظة الجوف تشجّع على ممارسة الصلح والوساطة المحلية بين مختلف الفرقاء، لذا فإن الشباب في الجوف وُجِدَ في ظل هذه البيئة مُنذ الصغر، حيث أصبح ممارسة الإصلاح والتوسّط ذات البين روتيناً يومياً في حياتهم.

   ويضيف عدنان إبراهيم أنه من المفارقة حدوث ضَجّة إعلامية في إِحدَى المحافظات اليمنية حول اِنْتشال جثتين، بينما جرى انتشال 67 جثّة في نفس الفترة دون أن تسليط الضوء عليها إعلامياً.

   في المقابل، فقد نجحت الوساطة المحلية في الجوف، إذ استطاعت حلّ ملفات فَشِلَت فيها وساطة المجتمع الدولي، لا سيّما في ما يخص ملفّي الأسرى والمعتقلين وملف تبادل واِنْتشالُ الجثث، حيث تُعد محافظة الجوف المحافظة الوحيدة التي تم تطهير جبهات القتال المختلفة من جثث القتلى من طرفي الصراع "دون أية عراقيل من قبلهم، بل كان هناك تجاوب وتسهيل كبيرة منهم"، بحسب ما يفيد به هادي جمعان.

   من جهة أخرى، يوضح هيجان أنَّ الشباب المنخرطين في الوساطة المحلية عملوا على تصميم عدد من المبادرات لدعم جهود الوُسَطاء المحليين، والتي تم من خلالها "تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع".

   يُضيف هيجان أنَّ عدم توفر الدعَم الفني واللوجستي للشباب المنخرطين في الوساطة المحلية هي من أهم التحدّيات التي تواجههم، والتهميش لأدوارهم من قبل الجهات المحلية والدولية على رغم من النجاحات التي تم تحقيقها.

   إن الواقع اليمني أَجْبَرَ الوُسَطاء المحليين على تجاوز الصعوبات والخلافات من أجل تحقيق السلام والوئام بين الجميع، وفقاً لـ"محمد حزام".