يمنيون من ويلات الصراع إلى الهجرة غير الشرعية

يمنيون من ويلات الصراع إلى الهجرة غير الشرعية
أمل السبلاني
من بين ويلات الصراع والمعاناة التي يَعيشها في وطنه، ظهر أمامه بصيص أمل للعيش الكريم، عندما حصل على فرصة للعمل في إحدى الدول الأجنبيّة. أخبره صديقه عن مشقةِ الطّريق غير الشرعية إليها، وما قد يحمله من مخاطر وتضحيات، قد تَصل إلى روحه.
تمعّن وتأمل بصمت عميق، وقال: "ما هو الأسوأ مما نحن فيه الآن، وما مررنا به من ويلات الحروب والصراعات، ولحظاتها من خوفًا وذُعر، وتَعطّش لأدنى إمكانيات الحياة؛ ماءً، وكهرباء، وعيشًا بكرامة. وفوق ذلك، الشرف ليس لنا. هنا ليس ثمة "ماذا بعد" يا صديقي، هنا يجب أن أتّخِذ خطوةً، وأن أكون أكثر شجاعةً، خُلاصةً للفترات القاسية التي مررت بها"!
بدأ يخطط للمستقبل، سَيملك منزلًا، وسيُتابع تعليمه، وسيرسل أطفاله إلى المدرسة، وسيدخر المال الكثير والكثير لإعالة جميع أهله، والأهم سيعيش بكرامة!
هذه حكاية عشرات بل ومئات الشباب اليمني الذين قرروا الهروب والنجاة من واقع أنهكه الجوع والفقر، وانعدام أبسط إمكانات الحياة! وأصبحوا ضحيّة سهلة للتلاعب، والاستغلال، وشراء الوهم من سماسرة الهجرة غير الشرعيّة والعصابات المرتبطة فيها.
انتهت حياة البعض غرقًا في أعماق البحار، وآخرون دون مأوى، عالقون على حدود الدول، ترتجف أجسادهم من سوط البرد القارس، ويستغيثون (حتى اليوم) فهل من مغيث؟
أما الأقل سوءًا، أُصيب بخيبة الأمل، عندما وجد نفسه في وظيفة لا تتوافق مع ما وعد به، واضطُر للعمل لأوقات تفوق الثماني ساعات بكثير، ولم يكن المقابل المادي على مستوى التوقعات بل قدر بنصف القيمة، وقد لا يتقاضى على أية أجر، ويَتعين عليه قبول كل ذلك، وإلا سيواجه مصيرًا مجهول، فلا مال، ولا معاملات، ولا أوراق رسميّة تعينه في العودة إلى بلده، وقد تضطره الظروف لممارسة أعمال غير قانونية.
يقول أحمد الربيعي، الملحق الثقافي السابق بسفارة اليمن في الخرطوم (في حوار مع منصة نون وشين): "ظاهرة الهجرة غير الشرعيّة في اليمن أصبحت مصدرًا للقلق الشديد، حيث يُعاني الشباب من تبعاتها القاسيّة، فبعضهم يَفقد حياته غرقًا في البحار، والبعض الآخر يكون طعامًا للحيوانات المفترسة في الغابات، وهناك من يصبح ضحيةً للبرد القارس". ووضح أن أسباب الهجرة تعود إلى الحروب وتأثيرها المدمر على الأوضاع الاجتماعيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، وأنه يترتب على الظاهرة عواقب اجتماعيّة وأخلاقيّة وسياسيّة سلبيّة. وعن الحلول الممكنة، أشار إلى أهمية تحقيق البلاد للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
وفيما يتعلق بسؤالنا ما هي الإجراءات التي اتّخذتها السفارات اليمنيّة تجاه المهاجرين غير الشرعيين، أكد الربيعي أنها لم تُقدم أية تدابير فعالة، بسبب قلة ومحدوديّة إمكاناتها. ويرى أن تقليص هذه الظاهرة، يتطلب بشكل أساسي تكاتف جهود الدولة لاتّخاذ الإجراءات والتدابير الفعالة.
تركت الحروب والصراعات في اليمن جروحًا عميقة تُذيب أي مظهر للصمود، وكانت الرحلة مضنية، والتحمل مرهقًا للغاية، خاصةً عندما طال هذا الوضع حياة الناس وسبل عيشهم البسيطة، فلا أب ولا معيل عاجزًا عن إعالة أسرته، سيفكر ولو للحظة بعواقب الهجرة غير الشرعيّة، إذا ما أتيحت له الفرصة للإقدام عليها، وسيترك كل شيء خلفه، حتى الأمان المتبقي له عند عتبة منزله. سيتخلى عن ضرورة العيش لمن هم أغلى عليه من نفسه. ومن هذا المنطلق، فإن تقديم أيّ حلول لن تكون مجديّة إلا إذا اتُخذت إجراءات حازمة من جانب الدولة، تَهدف إلى تحسين استقرار البلاد والأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة ومكافحة الفقر والبطالة.