المهاجرون الأفارقة في اليمن

المهاجرون الأفارقة في اليمن

المهاجرون الأفارقة في اليمن

 أمل السبلاني

بَحثًا عن فرص العمل والأمان، يَخوض الكثير من الأفارقة رحلة الهجرة إلى اليمن، سواءً للاستقرار فيه أو اعتباره ممرًا إلى دول الخليج. في هذه الرحلة الشاقة يقطعون آلاف الأميال، حاملين زجاجات ماء فارغة، محاطين بأشباح الفقر والخوف والذل، مجبرين على التعامل مع مهربين غير شرعيين، وقد تضطرهم الظروف إلى المخاطرة بالقفز في المياه، حتى وإن كانوا لا يجيدون السباحة! 

 تَستقبل السواحل اليمنية وعلى وجه الخصوص سواحل عدن، مئات المهاجرين الأفارقة يوميًا. ووصل عددهم في اليمن تقريبًا بين عامي 2021 و2022 إلى 73,200 وارتفعت أعدادهم أكثر خلال 2023- 2024. تعكس هذه الأرقام مدى تأثير هذه الظاهرة على المجتمع اليمني، الذي يُعاني من أزمة إنسانية خانقة بسبب الاضطرابات السياسيّة، والتي أحالت من أن يكون اليمن الجار الكريم لهؤلاء المهاجرين أو حتى الممر الآمن لهم للعبور إلى بلدان أخرى.

 

أوضاعهم في اليمن

يُعد اليمن الدولة الوحيدة في شبه الجزيرة العربيّة التي وقعت على بروتوكول عام 1967 الخاص بوضع اللاجئين، الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951. وعلى الرغم من ذلك، يُواجه المهاجرون في اليمن العديد من التحديات، تبدأ منذ اللحظة التي يخوضون فيها رحلة الهجرة، حيث يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان "المروعة" بما في ذلك الاعتداء الجنسي والجسدي وخطر الإتجار بهم، ويتم إرسالهم كرهائن للحصول على فدية، وذلك ما أكدته دانييل بوتي (أخصائية اتصالات التوعية التنموية الأولى) أثناء حديثها مع شبكة الأنباء الإنسانيّة "إيرين".

 

 وبعد وصول المهاجرين إلى اليمن واستقرارهم فيه، يواجهون ظروفًا اقتصاديّة صعبة للغاية، حيث يصعب عليهم العثور على فرص عمل قانونيّة، ويضطرون لقبول وظائف دنيا مثل العمل في خدمة المنازل. وفي بعض الأحيان، يّجد المهاجرون أنفسهم مضطرين للاشتراك في أنشطة غير قانونيّة مثل القرصنة والتهريب والاتجار بالأسلحة والمخدرات، ويظل بقاء العديد منهم في اليمن "غير رسمي"، فنادرًا ما يتم إعادة توطينهم بشكل دائم. ومع الأزمة الحالية، زادت الأوضاع سوء، حيث أصبحوا ضحايا للحرب، إلى جانب تقويض قدرة المنظمات الإنسانيّة على تقديم المساعدة لهم. 

 

 ولمعرفة المزيد حول التحديات التي يواجهها المهاجرون الأفارقة في اليمن، التقت (منصة نون وشين) برئيس الجالية الصوماليّة في مأرب (عبد الله صومالي) الذي قال: "يُعاني اللاجئين الأفارقة في مأرب من العديد من التحديات، وخاصة في منطقة الجفينة، ومن بين هذه التحديات الوضع الأمني، حيث يتم احتجازهم في السجون دون توجيه أي تهمة لهم، وقد قدمت الجالية الصومالية العديد من البلاغات للجهات المختصة بشأن هذا الموضوع، والذي يتكرر بشكل خاص مع الصوماليين والأثيوبيين". ويكمل: "ويوجد تحدي آخر متعلق بضعف تقديم الرعاية الصحيّة للمهاجرين، حيث لا يتم تقديمها للجميع بنفس القدر، فمثلاً يمكن للأثيوبيين الحصول على العلاج في المستشفى التابع لمنظمة الهجرة الدوليّة، بينما يُحرم الصوماليون من هذه الخدمة، وعلى الجانب الآخر، يستفيد معظم الصوماليين من منظمة الغذاء العالمية، بينما لا يستفيد الاثيوبيين منها".

 

 إذًا، لماذا اليمن وجهة للهجرة؟ 

 المال، والعمل، وبعض الاستقرار ، هذا بالطبع ما يأمل المهاجرون أن يحصلوا عليه، بمجرد أن يقوموا بهذا العبور الخطير من القرن الأفريقي إلى اليمن، الذي وقع الاختيار عليه كوجهة للهجرة بسبب عدة عوامل، أبرزها إمكانية الوصول إليه عبر البحر الأحمر وخليج عدن، وتاريخ العلاقات الثقافيّة والاقتصاديّة بين الجانبين. والأهم من ذلك، اعتبار اليمن بديلًا أفضل من وضعهم في بلدانهم، حيث تواجه معظم دول القارة السمراء تحديات معقدة نتيجة قلة الأمطار والجفاف الذي يؤثر على المحاصيل الزراعيّة والمراعي. ويعاني الفقراء من الجوع وارتفاع أسعار المواد الغذائيّة، مما يضطرهم لتقليص حصصهم الغذائية ومشاركتها مع الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يواجه سكان أفريقيا نقصًا في الدعم الدولي والمساعدة الإنسانيّة الملائمة، وذلك ما أشار إلى كتاب "المساعدات المميتة" لدامبيسا مويو.

 

لا خير في سعيٍّ من غير أبوابه!

 تُثار آراء متعددة حول ضرورة إعادة النظر حول وجود الأفارقة في اليمن، من ناحية أن أوضاعهم الحالية أصبحت "غير مقبولة"، فهم يعيشون في البلاد دون أساس قانوني، ولا يمكن تصنيفهم حتى كلاجئين، حيث لا تواجههم تهديدات حقيقية في بلدانهم الأصلية. وفي المقابل، يُعاني اليمن أسوأ الأزمات الإنسانيّة والاقتصاديّة، ويجد المهاجرون صعوبة بالغة في تحقيق الاستقرار والعثور على فرص عمل مناسبة تمكنهم من الحصول على الدخل الجيد. وتقوم المنظمات الدولية بتوطين المهاجرين في عدة محافظات، بما في ذلك مدينة إب ومأرب، دون مراعاة التداعيات على السيادة الوطنية والأمن القومي. ونتيجة لذلك طالبت بعض الأصوات باتخاذ إجراءات صارمة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.

 

واجب إنساني ومحرك للتنمية 

وهناك من يرى أن الالتزام الإنساني تجاه المهاجرين الأفارقة واجبًا لا يمكن التخلي عنه، رغم الظروف والأوضاع الاقتصاديّة والأمنيّة الصعبة التي يمر بها اليمن حاليًا، يقول الصحفي علي جعبور، المتخصص في قضايا اللاجئين ومؤسس (مشروع إعلام من أجل المهاجرين): "على الجهات المعنيّة، ولا سيما مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، أن تولي اهتمامًا خاصًا بهؤلاء الأفراد وتعمل على توفير المأوى المناسب لهم وتقديم المساعدات الطارئة، ويجب على الحكومة اليمنية أيضًا أن تحمي حقوقهم وتمنع تعرضهم للاستغلال أو الانتهاكات، نظرًا لكونهم يعيشون على أراضيها لأسباب إنسانية. وينبغي ألا يتم ترحيل أي لاجئ وإعادته إلى بلده بالقوة دون موافقته، حيث يمكن أن تكون حياته في خطر، وإعادته قسرًا سيعادل حكم الإعدام عليه".

 

وعن إمكانية أن يكون للمهاجرين الأفارقة دورًا في تحقيق التنمية في اليمن، أكد لنا الدكتور سعودي علي عبيد، أستاذ الاقتصاد (جامعة عدن) على أن الهجرة الوافدة من أفريقيا، يتم التعامل معها باعتبارها هجرة مؤقتة، ولذلك لا يمكن وضعها في إطار التنميّة الاقتصاديّة في البلاد. لأن من شروط ذلك، توفير إحصاءات بأعدادهم، وتخصصاتهم، وأعمارهم، والمجالات التي ينشطون فيها، وإجمالي الضرائب التي يدفعونها للدولة، وغيرها من المعلومات، التي من المؤكد أنها غير متوفرة، وحتى أعدادهم غير معروفة بشكل كامل، لأن دخولهم للبلاد "غير شرعي".

 

بطبيعة الحال، نرى أن الحكومة والسلطات اليمنية لا تتحمل وحدها مسؤولية أوضاع المهاجرون الأفارقة، خاصة في ظل الأزمات الداخليّة التي تمر بها البلاد، وضعف الموارد والإمكانات، ومن هنا نؤكد أهمية الدور الذي تقدمه المنظمات الدوليّة والشركاء الحكوميين في تطوير البنية التحتيّة المستدامة للهجرة، وإتاحة الخدمات الصحية لجميع المهاجرين دون أي تمييز، وتوفير السكن الآمن لهم، وفرص العمل والتعليم، وتعزيز حقوقهم وحمايتهم من التمييز والاستغلال. وبالطبع يجب أن تُبذل جهود دوليّة لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلدان الأصلية لهؤلاء المهاجرين، وتخفيف التأثيرات المترتبة على تغير المناخ فيها.