مناهج التعليم في اليمن: هل هي مصدر فشل الطلاب؟
تقرير صحفي تحليلي قائم على مقابلات
كتبت/ أمل السبلاني
يُعاني العديد من الآباء والأمهات في اليمن من مشاعر الإحباط واليأس عندما يواجهون فشل أبنائهم في تحقيق النجاح الدراسي، إذ يربط بعضهم هذا الفشل مباشرة بنقص الذكاء أو بقدرة أبنائهم على التعلم. ونتيجة لهذه المعتقدات السلبية، يتراجع اهتمام الوالدين ودعمهم لتعليم أطفالهم، وربما يبحثون عن خيارات بديلة مثل دفعهم للعمل وكسب المال بدلًا من الاستمرار في التعليم.
وعند الحديث عن أسباب فشل الطلاب الدراسي في اليمن، نجد أن الأمر يرتبط بجملة من العوامل المتداخلة، من بينها ضعف نظام التعليم ومناهجه التي لم تتغير منذ منتصف التسعينات. ومن الضروري التوقف أمام هذه القضية بعمق، مع طرح تساؤلات جوهرية: هل المناهج الحالية تعزز قدرات الطلاب وتلبي احتياجاتهم الحقيقية؟ وهل حان الوقت لإصلاح نظام التعليم في اليمن وتحديث المناهج؟
تقييم واقع المناهج الدراسية في اليمن
تشير العديد من الدراسات والأبحاث إلى أن المناهج الدراسية الحالية في اليمن لا تُنمّي قدرات الطلاب ولا تلبي احتياجاتهم بالشكل المطلوب. وتبرز هنا دراسة رقية الدعيس، التي تناولت العلاقة بين التربية والتنمية المستدامة ومعوقات تحقيقها في اليمن، كأحد النماذج التي تنتقد المحتوى التعليمي المطبق، وتسلط الضوء على عدم مساهمته في بناء قدرات الطلاب أو تطوير جوانبهم البشرية والمعرفية، فضلًا عن عدم انسجامه مع احتياجاتهم في سوق العمل والإنتاج والتنمية.
كما أوضحت عبير شملان (مدرسة) أن المناهج التعليميّة تحولت إلى مجرد تراكم معلومات يعجز الطلاب عن استيعابها بسهولة. ففي مادة العلوم مثلًا، تقتصر الدروس على تقديم المعرفة النظرية دون أي أنشطة عملية أو تجارب مختبرية. وفي مادة اللغة العربية، يتركز الاهتمام على التحليل الشعري والقراءة، مع تجاهل عناصر جمالية مهمة كالتعبير النثري والمدح. وتشير أيضًا إلى أن مادة الاجتماعيات تعاني من تكرار الدروس التاريخية، خاصة في الصف السادس. وفي المراحل العليا من التعليم الأساسي والثانوي، يشكل الكم الهائل من المعلومات تحديًا مرهقًا للطلاب. يُضاف إلى ذلك وجود العديد من الأخطاء اللغوية والإملائية وعدم اكتمال المعلومات في المحتوى التعليمي بشكل عام.
ولمزيد من التعمق في صورة المناهج الدراسية، أجرت منصة نون وشين مقابلة مع عبد الرحمن الصباري (مستشار وزارة التربية والتعليم). وقد أكد الصباري أن المشكلة الأساسية لا تكمن في جودة المناهج نفسها بقدر ما تكمن في عملية الحصول عليها، وتحريفها وتعديلها وفقًا للتوجهات السياسية والمذهبية والمناطقية، وابتعادها عن القيم الوطنية والمسار الحقيقي للتعليم. كما أشار إلى أن المناهج غير متوافقة مع مستوى الطلاب وأعمارهم، وأنها بعيدة تمامًا عن واقع حياتهم اليومية.
من الواضح—وبشكل مزعج—أن المناهج الدراسية أسهمت ولا تزال تُسهم في تراجع نظام التعليم في اليمن، وفي فشل الطلاب الدراسي. فهي لا تتوافق مع قدراتهم ولا تواكب احتياجاتهم ولا تستجيب لتطلعاتهم المستقبلية. وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى أثرت على جودة التعليم، مثل تدهور البنية التحتية للمدارس وضعف الاستثمار المالي والبشري وقلة الحوافز المقدمة للمعلمين، سيظل ضعف المناهج عائقًا رئيسًا أمام أي تطور حقيقي للمنظومة التعليمية.
جهود المنظمات الدولية
أفادت اليونسكو في موقعها الرسمي بأنها تعمل بجدية لتحسين نظام التعليم في اليمن، وأنها قامت خلال الأشهر الأخيرة بإنشاء نظام إدارة المعلومات التربوية (EMIS) لفهم الوضع التعليمي بشكل أدق. يأتي هذا المشروع ضمن جهود المنظمة المستمرة لدعم التعليم في البلاد.
وكان من المقرر أن نلتقي بأحد ممثلي المنظمة في اليمن للاطلاع على جهود تحسين المناهج الدراسية، إلا أن اللقاء تعذر بسبب إشارة أحد العاملين إلى حساسية القضية والتحديات السياسية المحيطة بها، والتي انعكست سلبًا على تنفيذ إصلاحات جوهرية في المناهج. وبناءً على ذلك، نؤكد ضرورة قيام المنظمات الدولية ببذل جهود أقوى وأكثر فاعلية لتحسين المناهج التعليمية في اليمن، مهما كانت التحديات والعقبات التي تعترض التنفيذ.
الحلول
يُعد التعليم ركيزة أساسية للتنمية في كل مجتمع، ويعتبر الاستثمار فيه استثمارًا في المستقبل. ومن هنا، يصبح إصلاح نظام التعليم في اليمن وتحديث المناهج الدراسية ضرورة لا يمكن تجاوزها. ويتطلب ذلك عملًا مشتركًا بين الحكومة ووزارة التربية والتعليم ومنظمات المجتمع المدني.
ويجب أولًا الاعتراف بأن النظام التعليمي بشكله الحالي يحتاج إلى إصلاحات جذرية قائمة على دراسات علمية دقيقة لمستوى الوعي والقدرات العقلية والمعرفية للطلاب، بما يضمن أن تلبي المناهج احتياجاتهم وتراعي مستوياتهم العمرية.
وقد شدد الصباري على أهمية تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء وأكاديميين وذوي اختصاص مشهود لهم بالأمانة والوطنية للعمل على تطوير المناهج. فهذه الإجراءات ستسهم في بناء جيل واعٍ، متسلّح بالقيم الأخلاقية والإنسانية، ومؤمن بقيم التعايش والسلام، ومهيأ لحياة مدنية كريمة.