أنا ضيعت نفسي!

أنا ضيعت نفسي!

أنا ضيعت نفسي!

   خَتم أحد أصدقائي حديثنا بهذه الجملة البسيطة التي تحمل في طياتها الكثير من الحسرة. قد تظن أنه غير متعلم أو أنه لا يعمل، لكن الحقيقة أنه مُرهق بسبب الحياة. فهو متخرج حديثًا من الجامعة، ويعمل أيضًا في محل ويتلقى راتبًا كل شهر.

   بعد حرب 2015 في عدن، عاد معظم الشباب إلى أعمالهم وبدأت تتحرك عجلة الحياة قليلاً. كان أي شخص يعمل يستطيع توفير مقومات الحياة البسيطة والعيش على مرتب واحد، وإن كان لا يكفي كمعظم الشباب. عمل ذلك الشاب في المحل واستمر في ذلك منذ نهاية الثانوية إلى لحظة التخرج من الجامعة، وقد كان مُجتهدًا جدًا في عمله بالشكل الذي جعل مالك المحل يتمسك به ويحقق أعلى العوائد. وبينما كنت أتردد عليه أثناء فترة الجامعة، تبين لي من خلال حديثنا أن العمل أصبح بطيئًا بسبب أوضاع العملة، وتدهورها بشكل كبير!

   مرت الأيام وقررت أن أطمئن عليه. 

   بعد سلام وحديث قصير، قطع حديثي بسؤال وقال: 

   "اسمع محمد، كيف يمكنني أن أتعلم برنامج الأكسل والوورد؟"

   تعجبت من السؤال حيث تبين أنه قد قدم على وظيفة إدارية في جهة معينة، وعلى الرغم من أن تخصصه الجامعي هو "محاسبة"، إلا أن من شروط القبول بالعمل هو اختبار قصير لجميع المتقدمين.

   اقترحت عليه أن يتعلم من الإنترنت أو أن يأتي أحد لتعليمهم في مكان عمله أثناء وقت الفراغ، لكنه صمت قليلاً وتنهد بحسرة وقال: "أنا ضيعت نفسي." 

    خرجت من المحل بعد حوار صغير وأنا أفكر: هل هو حقًا قد ضيع نفسه؟ 

   الجواب هو لا، وإنما فضل رغبات لا أكثر، مثله مثل معظم الشباب، لأنني أعلم أن وقت فراغه هو بين الساعة 12 ظهرًا وحتى الرابعة عصرًا. وفي هذا الوقت، بدلاً من التدرب إلكترونيًا أو في معهد، يقوم بفعل أشياء أخرى ويتعذر بضيق الوقت. وهذا ما يواجهه الكثير من الشباب في الوقت الحالي. 

وهذا ما يسمى "تكلفة الفرصة البديلة" في الاقتصاد الجزئي، أي الفائدة التي كان من الممكن أن يحصل عليها الشخص، ولكنه تخلى عنها لتحقيق هدف آخر. 

   ما نلاحظه في معظم الشباب حاليًا هو التضحية ببعض الأشياء التي قد تبدو تافهة، مثل الدورات أو الدخول في أعمال تطوعية أو المشاركة في مسابقات، مقابل الحصول على عمل سريع بدافع الاستقلال المادي وتكوين الذات، على الرغم من أن العائد من الأعمال التطوعية يأتي من خبرات ميدانية وعلاقات قد تؤهلك للعمل بوظيفة أعلى ومرتّب أكبر.

محمد الضنبري