الثقافة الرقمية وتأثيرها على الشباب

الثقافة الرقمية وتأثيرها على الشباب

الثقافة الرقمية وتأثيرها على الشباب

أمل السبلاني 

لا يمكن إنكار أن الثقافة الرقميّة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب، والتي تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة والتطبيقات التي يتم استخدامها من جانبهم بشكل يومي، مثل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقميّة. 

تُعزّز الثقافة الرقميّة قدرة الشباب على التواصل مع الآخر، والأخذ عنه، كما تُساهم في تحسين فهمهم وتقديرهم للهُويات الدينيّة واحترام التنوع وتجنب خطابات الكراهيّة. وتُوفر لهم العديد من الفرص في مجال العلم والتعليم. فمن خلال استخدام محركات البحث مثل قوقل (Google) وبينغ (Bing) وداك داك غو (DuckDuckGo)، أصبح باستطاعتهم الوصول إلى مصادر المعرفة المختلفة، واكتساب مجموعة متنوعة من المهارات، مثل التحليل الرقمي والتفكير النقدي. ويمكنهم أيضًا استخدام التقنيات الرقميّة المتطورة لإعداد المشاريع والأعمال الفنيّة وتحويل أفكارهم إلى أرض الواقع، يقول الحسن العيان (مؤسس وكالة التسويق كي ماركتينج): "لا يمكن الاستغناء عن الثقافة الرقمية في أي مجال، فهي ليست مجرد شيء مساعد، بل هي شيء أساسي في حياتنا اليوميّة، فعلى سبيل المثال، استفدت كثيرًا في عملي بمجال التسويق من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة المنافسين والقادة في المجال، وكذلك أستخدم التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملية البحث ولإضافة المحتوى والأفكار، وليس هذا فقط، بل استخدم أيضًا العديد من البرامج المفيدة مثل Google Sheets وMindmap وTrello للتخطيط وتنظيم العمل، والتي تُسهل علينا عملية المتابعة وتحقيق التقدم المستمر".
 


التحديات الاجتماعية والصحية

رغم الفوائد العديدة التي تُقدمها الثقافة الرقميّة للشباب، إلا أنها تحمل لهم أيضًا العديد من المخاطر والتحديات، خاصة على المستوى الاجتماعي والصحي. يؤدي الاستخدام غير المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقميّة إلى إضعاف قدرة الشباب على التواصل مع الآخرين في العالم الواقعي، فضلاً عن تشتت انتباههم وضعف تركيزهم بسبب التحميل المتواصل للمعلومات والمحتوى الرقمي، والذي يؤثر على إنتاجيتهم وقدراتهم الإبداعيّة. ويسبب الاعتماد المفرط على الأجهزة الرقميّة إلى اضطرابات النوم وتقليل النشاط البدني، مما يزيد من خطر تعرضهم  للعديد من المشاكل الصحيّة مثل السمنة وأمراض القلب والأوعيّةّ. ويؤدي استخدام الشباب الزائد لوسائل التواصل الاجتماعي والمقارنة المستمرة بالآخرين إلى تدهور صورتهم الذاتيّة وانخفاض ثقتهم بأنفسهم.

يقول رشيد بودي (صانع محتوى تعليمي) في حوار مع منصة نون وشين: " أحدث التطور الرقمي ثورة هائلة في حياتنا، وخاصة في مجال التعلم والتواصل، حيث أتاح لنا التدريس عن بعد والوصول إلى محاضرات ومناظرات العلماء والأساتذة والباحثين والمفكرين، والتواصل بسهولة وسرعة أكبر، الأمر الذي كان مستحيلاً في الماضي، عندما كانت الرسائل الورقيّة هي الوسيلة الوحيدة للتواصل. وفيما يتعلق بالعمل، يدرك المجتمع الرقمي بوضوح ماهيّة المنصات الرقمّية والفوائد الماليّة والصناعيّة التي تحققها، فضلاً عن دورها في نشر الأخبار".
ويكمل: "ومع ذلك، ينبغي علينا أن ندرك أن التقدم الهائل الذي حققه العصر الحديث يأتي مع تحدياته ومخاطره، من بينها الإدمان المذموم على التكنولوجيا. فعندما يصبح لدينا القدرة على الوصول إلى مصادر لا حصر لها من المعلومات، والتواصل مع الآخرين في أي وقت ومن أي مكان، يصبح من السهل الانغماس بشكل غير صحي في عالم الشبكة العنكبوتيّة، ويسبب هذا الإدمان انخفاض قيمة الكتب الورقيّة وانقراض جلسات العائلة التقليديّة. وقد تؤثر سلبًا على صحة الطلاب وعلى جودة نومهم بسبب اتصالهم لساعات طويلة بأجهزتهم الذكيّة". وأشار بودي إلى أن القراءة السطحيّة للمحتوى الرقمي وعدم التحقق من مصادره قد تؤدي إلى انتشار الأفكار والآراء والمعلومات الخاطئة المضللة، مما يؤثر على فهم الشباب للأحداث والقضايا بشكل صحيح وسليم.


لتحقيق الاستفادة القصوى من الثقافة الرقمية، يتعيّن على الشباب أن يتعاملوا معها بحكمة واستيعاب تام لتأثيرها الكبير على حياتهم، حتى يتجنبوا الأثر السلبي الذي قد ينجم عنها، ويسعوا جاهدين للاستفادة من جوانبها الإيجابيّة والفرص والتجارب الرقميّة التي تُقدمها لهم. وإلى جانب ذلك، تَأتي أهمية تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على العلاقات الاجتماعيّة والتفاعل الحقيقي مع العالم من حولهم.


 
الثقافة الرقمية في اليمن 

في ضوء تحليل الواقع الحالي، يشير مصطفى العلوي، الناشط في المجال الرقمي، إلى أن الثقافّة الرقميّة في المجتمع اليمني لم تُستغل بشكل إيجابي، حيث يَستخدمها الكثير من الشباب بطرق سلبيّة، وأرجع ذلك إلى نقص الوعي والثقافة المتعلقة بها. ومن هنا، شدد على ضرورة توفير التوعيّة لهم من أجل تجنب سيرهم في الطريق الخاطئ.

وأكد الصحفي رشيد المليكي في حواره مع (منصة نون وشين) على أن الثقافة الرقميّة في اليمن متأخرة وغير شائعة، وأن البلاد بحاجة إلى مسيرة طويلة وجهود كبيرة لتعميمها في المدارس والجامعات من جانب الدولة ومنظمات المجتمع المدني، يقول: "أعتقد أن المستقبل سيكون صعبًا بالنسبة لنا، حيث أننا كثيرًا ما نسمع عن قضايا القرصنة والابتزاز الإلكتروني وسرقة البيانات، وتوسع الإنترنت وخدماته، والتي تُؤكد على ضرورة تطوير الثقافة الرقميّة وتنميتها، حيث لا تزال معرفة الأمور المتعلقة بها موضوعًا نخبويًا، يرتبط بالصحفيين والنشطاء، ولكن بإذن الله إذا كانت هناك جهود مخلصة وتضافر واهتمام سيتم تعميم الثقافة الرقميّة لتشمل جميع أفراد المجتمع". وأشار المليكي إلى أنه من خلال تجربته الشخصيّة في إنتاج المحتوى المتعلق بالأمن الرقمي، وإدارة صفحة خاصة بالسلامة الرقميّة، استطاع استكشاف العديد من الجوانب، وترتب على ذلك، التغيير في طريقة تعامله مع التطبيقات والروابط غير الآمنة ذات المصادر المجهولة أو العشوائيّة. وأشار إلى أن وجود التطبيقات والمواقع ذات المصادر المفتوحة لعبت دورًا مهمًا في قضية الحماية الرقمّية، وكذلك الدور الذي قدمه العديد من المتطوعين حول العالم في إثراء المحتوى الرقمي.