الدول العربية والنماذج التنمويّة

الدول العربية والنماذج التنمويّة

الدول العربية والنماذج التنمويّة

   تُمثل التنميّة حركة النسق الاجتماعي، والإرادة المجتمعية التي تحقق التطور في كافة الجوانب الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة.(1) وهي عملية تغيير مقصودة، تتم بأساليب مرسومة ومخطط لها، تهدف إلى الاستخدام الأمثل للإمكانيات البشريّة والماديّة المتاحة، وتتم بجهود مشتركة رسميّة وشعبيّة، وهي مزيدًا من (الخدمات، والعدالة، والثروة، والمعرفة، والبناء، وسيادة القانون، واحترام الدستور، وحقوق الانسان). وللتنميّة عدة دلالات منها الوصول لنموذج  الدول الأوربية الغربية،(2) ووجوب تطبيق الدول النامية لها لتحقيق التنميّة. (3)

   واجهت الدول العربيّة عدة تحديات أمام تحقيق تنميتها، رغم جميع ما قُدم لها من معونات وقروض.(4) من أهم التحديات عدم استقرارها السياسي، وتخلفها الاقتصادي، وظهور الشركات متعددة الجنسيات Multinational Enterprise، وأزمة الطاقة، وتصعيد أسعار البترول - الذي استخدمته بعض الدول الرأسمالية المتقدمة كوسيلة لاحتواء أنظمتها وأجهزتها النقديّة عن طريق الاستمرار في إقراضها، وفقًا لشروط تضمن تبعيتها لها. أما أهم التحديات افتقاد الدول العربيّة إلى نماذج تنمويّة خاصة بها؛ تعالج مشكلاتها السياسيّة والاقتصاديّة، وتراعي خصوصيتها الحضاريّة؛ حصيلة ظروفها وتجاربها التاريخيّة،  (5) لتعبر عن واقعها المجتمعي، وتركيبته، وأبعاده الثقافيّة والاجتماعيّة، واحتياجاته المتطورة،(6) إلا أنها سلكت الطريق السهل، باستيراد النماذج التنمويّة الغربية،(7) لإصلاح مشاكلها ولتحقيق التنميّة، ففشلت في ذلك، بل أنها أحدثت تشويهات في بناء وتركيب مجتمعاتها، وكرست من تبعيتها، ومسخت شخصيتها القومية. (8) 

   وبعكس الدول العربيّة، نستطيع أن نقدم التجربتين الهندية واليابانية، اللتان تمكنتا من بناء نماذج تنمويّة خاصة بها.

   أستطاعت الهند رغم ما واجهته من تحديات خلال فترة التسعينيات - من فقر، وانخفاض الدخل، وانهيار مواردها المالية، والتحولات الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها آنذاك - أن تتجاوزها بفرض ضوابط هائلة على اقتصادها المحلى وأوضاعها المالية، إلى جانب إنشاء بيروقراطية ذات تدريب جيد، مكنها من إدارة العمليات الصناعيّة، والتحديثيّة، والتنمويّة، فأسست لها نموذجًا ديموقراطيًا أصيل، استطاع من خلاله أن تقلل من حجم التداعيات التي تولدت من التعددات، والتعصبات، والاختلافات الموجودة في مجتمعها. (9) أما اليابان فأعتمدت على  قيمها الأخلاقيّة والأسطوريّة في عملية الإصلاح والتنميّة، وانفتحت على التحديث الغربي من موقع قوة؛ حيث تميز نسيجها المجتمعي بالتماسك، وزاد من تماسكه دينامية حركة الإصلاح العام، خصوصًا بعد إرجاع السلطة الفعلية إلى الإمبراطور، وتحقيق مطلب الوحدة، وتوظيف الأسطورة القديمة في منح الإمبراطور كاريزماتية خاصة، الأمر الذي أضفى على قراراته طابع الإلزام والقدسية. (10)

   ومن ذلك يتطلب تحقيق التنمية في المجتمعات العربية بناء استراتيجية تنمية ذاتية، تقوم على المعطيات التاريخية، لتلائم واقعها واحتياجاتها، (11) وفك ارتباطها بالنماذج التنموية الجاهزة، الذي لن يتحقق إلا بالإرادة الجادة، والتعبئة المجتمعية، والمشاركة الفعالة، وببلورة عدة خيارات اقتصادية، وتنويع القاعدة الانتاجية. (12) 

(1). خلاف، خلف خلاف: التنمية في عالم يفتقر إلى المساواة. مجلة الفيصل، نوفمبر 1990، العدد (166)، ص 6.
(2). علام، سعد طه: التنمية والمجتمع. مكتبة مدبولي، القاهرة، ص 2018.
(3). مجلة عالم الفكر، المجلد 29. وزارة الاعلام 2000، الأعداد (1-2).
(4). ربيع، محمد عبد العزيز: التنمية المجتمعية المستدامة. دار اليازوري، عمان 2015.
(5). خلاف، خلف خلاف: التنمية في عالم يفتقر إلى المساواة، ص 7-8.
(6). عبد اللاقي، ابراهيم محمود: الخطاب العربي المعاصر: عوامل البناء الحضاري في الكتابات العربية 1990-1996. المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن 2008، ص 147.
(7). هاني، ادريس: خرائط إيديولوجية ممزقة. مؤسسة الانتشار العربي،  بيروت 2006، ص 99.
(8). مجلة شؤون عربية. الأمانة العامة لجامعة الدول العرببة 1999، الأعداد (98-99)، ص 78.
(9). محمود، رمزي: الهنـد: والمعجزة الاقتصادية الكبرى سابع أكبر اقتصاد في العالم وثاني دول العالم في التكنولوجيا. دار التعليم الجامعي، الإسكندرية 2022، ص 69-70.
(10). بو لحية، يحيى: البعثات التعليمية في اليابان والمغرب: من أربعينيات القرن التاسع عشر حتى أربعينيات القرن العشرين، تباين المقدمات واختلاف النتائج. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر 2016.
(11). مجلة شؤون عربية. الأمانة العامة لجامعة الدول العرببة 1992، الأعداد (69-70)، ص 148.
(12). خلاف، خلف خلاف: التنمية في عالم يفتقر إلى المساواة. مجلة الفيصل، نوفمبر 1990، العدد (166)، ص 10.