الدول العربية والنماذج التنمويّة

مقال أكاديمي

الدول العربية والنماذج التنمويّة

كتبت/ أمل السبلاني 

   تمثل التنمية حركة متكاملة تعكس النسق الاجتماعي والإرادة المجتمعية، التي تسعى لتحقيق التطور في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

   ووفقًا لما أشار إليه خلف خلاف في دراسته حول التنمية، فإنها عملية تغيير مقصودة، تتم بأساليب مخططة تهدف إلى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية، وتنفيذ جهود مشتركة بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني. وتشمل هذه الجهود توفير الخدمات، وتحقيق العدالة، وبناء الثروة، وتعزيز المعرفة، وإرساء سيادة القانون، وضمان حقوق الإنسان، مما يجعل التنمية أداة حقيقية للنهوض بالمجتمع (خلاف، 1990).

   وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي تلقته الدول العربية من قروض ومعونات، إلا أن تحقيق التنمية فيها واجه العديد من التحديات. فقد عانت هذه الدول من عدم الاستقرار السياسي، وضعف البنية الاقتصادية، وظهور الشركات متعددة الجنسيات التي ساهمت في تأبيد التبعية الاقتصادية، إضافة إلى أزمات الطاقة وتصاعد أسعار البترول، كما أشار محمد عبد العزيز ربيع في دراسته حول التنمية المجتمعية المستدامة. هذه التحديات ساهمت في إعاقة قدرات الدول العربية على صياغة نماذج تنموية خاصة بها، تراعي خصوصياتها الحضارية والتاريخية والاجتماعية والثقافية (ربيع، 2015؛ خلاف، 1990).

   لقد اتبعت الدول العربية غالبًا الطريق السهل عبر استيراد النماذج التنموية الغربية، على أمل إصلاح المشكلات وتحقيق التنمية، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تؤتِ أكلها. ووفقًا لدراسات عدة، بما في ذلك أبحاث إدريس هاني ومجلة شؤون عربية، فإن استيراد هذه النماذج أدى إلى تشويه التركيب الاجتماعي والاقتصادي، وزيادة التبعية، وإضعاف الهوية القومية، بدل أن يعالج المشاكل الجوهرية للمجتمع العربي (هاني، 2006؛ مجلة شؤون عربية، 1999).

   بالمقابل، تقدم التجربتان الهندية واليابانية مثالين واضحين على نجاح بناء نماذج تنموية محلية. ففي الهند، على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية في التسعينيات، مثل الفقر وانخفاض الدخل وانهيار الموارد المالية، تمكنت الحكومة من فرض ضوابط قوية على الاقتصاد المحلي، وتأسيس بيروقراطية مدربة على إدارة العمليات الصناعية والتنموية، ما أسهم في بناء نموذج ديمقراطي أصيل يقلل من آثار الانقسامات والتعددات الاجتماعية (محمود، 2022).

   أما اليابان، فقد اعتمدت على قيمها الأخلاقية والتقاليد الأسطورية في عملية الإصلاح والتنمية، مستفيدة من التحديث الغربي من موقع قوة، مع الحفاظ على تماسك المجتمع وتعزيز سلطة الإمبراطور التي منحت القرارات الرسمية قدسية وإلزامية، مما دعم عملية الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بشكل مستدام (بو لحية، 2016).

   من هنا، يتضح أن التنمية في الدول العربية تتطلب صياغة استراتيجية تنموية ذاتية، تستند إلى المعطيات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية، وتفصل نفسها عن النماذج المستوردة التي لم تحقق النتائج المرجوة. كما أن هذا المسار لن يتحقق إلا بالإرادة الجادة، والتعبئة المجتمعية، والمشاركة الفعالة، وبإيجاد خيارات اقتصادية متنوعة وقاعدة إنتاجية متينة، كما أشار خلاف في دراسته حول التنمية في عالم يفتقر إلى المساواة (خلاف، 1990).