مهرجان البلدة... احتفال سنوي يعكس روح حضرموت الجمالية

مهرجان البلدة... احتفال سنوي يعكس روح حضرموت الجمالية
منذ عام 2004، تشهد مدينة المكلا بمحافظة حضرموت حدثًا موسميًا يُعرف بـ"مهرجان البلدة"، والذي يُقام تحديدًا في منتصف شهر يوليو حتى 25 يوليو من كل عام. يجمع المهرجان بين جمال ساحل المدينة، والتراث الثقافي، والأنشطة الرياضية والاجتماعية، وسط حضور جماهيري بارز.
انطلقت فعاليات مهرجان البلدة السياحي في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في 15 يوليو، لتستمر حتى 1 أغسطس، متزامنًا مع ظاهرة "نجم البلدة" التي تستمر 13 يومًا، من 15 حتى 28 يوليو، وفق تقويم فصل الخريف في حضرموت، وتشهد خلالها سواحل المدينة انخفاضًا في درجة حرارة مياه البحر، مما يشكّل وجهة مثالية للاستجمام والسياحة العلاجية.
في هذا الخصوص، يقول مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بمكتب وزارة الثقافة بساحل حضرموت، عبد الله باحارثة، في حديثه مع منصة نون وشين، أن محافظ حضرموت يرأس اللجنة الخاصة بتنظيم المهرجان، وتضم في عضويتها مديري مكاتب الوزارات المعنية، وتعمل على إعداد مصفوفة متكاملة للأنشطة والبرامج. ورغم التحديات المالية، تسعى اللجنة إلى تقديم مهرجان متكامل ضمن الإمكانيات المتاحة، مع إشراك القطاع الخاص في التنظيم هذا العام بصورة تجريبية.
موضحًا أن برنامج مهرجان البلدة لهذا العام جاء حافلًا بالأنشطة المتنوعة، حيث تضمن مجموعة واسعة من الفعاليات الفنية والثقافية والأدبية والرياضية، إلى جانب معارض للصور والفنون التشكيلية التي عكست الإبداع المحلي، وعروض للرقصات الشعبية، وخيم مخصصة للأسر المنتجة ورائدات الأعمال، بالإضافة إلى مسرح ترفيهي للعائلة والطفل. وتم هذا العام إدراج العروض السينمائية ضمن البرنامج، وذلك للمرة الأولى منذ انطلاق المهرجان قبل أكثر من عشرين عامًا، ما شكّل نقلة نوعية في محتوى الفعاليات واهتمامها بجوانب جديدة من الفن والترفيه.
نافذة أمل للسياحة الداخلية
يمر تعزيز البُعد الثقافي في مهرجان البلدة السياحي عبر إشراك قاعدة أوسع من المثقفين والفنانين المحليين، وتنظيم فعاليات إبداعية مثل المعارض الفنية، والعروض المسرحية، والأمسيات الشعرية والقصصية المستوحاة من الموروث الحضرمي، وإثراء التجربة الثقافية من خلال دمج عناصر التراث الشفهي، إلى جانب العروض الحية للحرف اليدوية والمأكولات الشعبية، ما يجعل الأجواء أكثر تفاعلية. هذه العناصر تعمل على جذب الزوار، وتسهم بفاعلية في تحفيز السياحة الداخلية وتعميق الصلة بين المجتمع وجذوره الثقافية، إلى جانب تعريف الأجيال الجديدة بهويتهم الحضرمية بأسلوب معاصر وجاذب، وفقًا لمدير مكتب الثقافة بحضرموت عبير الحضرمي.
وحسب باحارثة، فإن الهدف الرئيس للمهرجان استثمار الظاهرة الطبيعية التي تشهدها سواحل حضرموت، حيث تنخفض درجات حرارة مياه البحر بشكل ملحوظ، ما يجعلها وجهة مثالية للاستجمام والاغتسال، وهو ما يجذب آلاف الزوار من داخل المحافظة ومن الخارج. ويُعد الموسم فرصة ذهبية للترويج للمقومات السياحية التي تزخر بها المحافظة، لا سيّما المديريات الساحلية التي تستقطب نسبة كبيرة من السياح سنويًا.
مضيفًا أن المهرجان يساهم في تنشيط السياحة الداخلية، حيث تكتمل الطاقة الاستيعابية للفنادق والمرافق الإيوائية التي يزيد عددها عن 112 منشأة سياحية، ما يوفر فرص عمل موسمية ودائمة للشباب. كما يُعد منصة لتسويق المنتجات المحلية وتعزيز الحركة التجارية، خاصة من خلال معارض الأسر المنتجة التي شاركت فيها أكثر من 65 أسرة هذا العام.
الاحتفال بالتراث الثقافي والفني
يُعد مهرجان البلدة السياحي في حضرموت مناسبة سنوية ثقافية وتراثية وفنية بامتياز، حيث يبرز الروح الجمالية للمدينة، من جمال التنوع الحضري وثراء الموروث الثقافي والفني والتراثي.
أوضحت الفنانة التشكيلية مريم الهلالي، في حديثها مع منصة نون وشين، أن تجربة مهرجان البلدة هذا العام مليئة بالحيوية والتنوع، حيث أتاحت للزوار فرصة الاستمتاع بأنشطة ثقافية وفنية ثرية. مضيفة أن المهرجان استطاع أن يُرسّخ الهوية المحلية ويُبرز ملامحها، مقدّمًا مساحة حرة للمبدعين للتعبير عن أعمالهم ومواهبهم. وعلى الصعيد الفني، عكست الفعاليات تعددية وشمولًا لافتين، ما يجعل المهرجان نموذجًا ثقافيًا واعدًا يستحق المزيد من التطوير والاهتمام في الأعوام المقبلة.
بدورها، تشير عبير الحضرمي إلى أن المهرجان منبر لإحياء التراث الثقافي وإبراز مكونات الهوية الحضرمية، من خلال عروض الفنون الشعبية، الأزياء التقليدية، الأغاني والرقصات التراثية، إضافة إلى الحرف اليدوية الأصيلة التي تعكس عمق الموروث المحلي. كما يُمثل المهرجان واجهة حضرموت الثقافية المشرقة، ويبرز غناها بالتنوع والإبداع، ويعكس قدرتها التنظيمية على تقديم فعاليات جماهيرية راقية، حيث يُعزز الشعور بالفخر والانتماء. إلى جانب ذلك، يُعد نافذة للتعريف بالحضارة والتراث.
ويذكر باحارثة أن واحدة من أبرز أهداف المهرجان تكمن في تسليط الضوء على الموروث الشعبي والثقافي والفني لحضرموت، الذي يمتد بجذوره عميقًا في التاريخ. ويُسهم المهرجان في تعريف الزوار بهذا الإرث الغني من خلال تنظيم ندوات علمية وأدبية تُناقش الجوانب التراثية، إلى جانب تنظيم جولات سياحية إلى المواقع التاريخية والمعالم الأثرية التي تشهد على أصالة حضرموت وتنوعها الحضاري.
آمال وتطلعات مستقبلية
يحمل مهرجان البلدة في حضرموت آمالًا وتطلعات كبيرة نحو التحول إلى فعالية ثقافية وسياحية إقليمية. وتسعى الجهات المنظمة إلى تطوير المهرجان من خلال تمديد مدته، وتوسيع شراكاته مع القطاع الخاص، وتبني أساليب تنظيم حديثة تُعزز جاذبيته، مع التركيز على استقطاب الزوار. كما تأمل اللجنة في تحويل المهرجان إلى منصة مستدامة للإبداع والتشغيل، توفر فرصًا اقتصادية، وتُرسّخ حضرموت كوجهة نابضة بالثقافة، والفن، والاستقرار المجتمعي، وفقًا لباحارثة.
على صعيد متصل، توضح الحضرمي أنه من الضروري تسليط الضوء على التجارب الإنسانية وقصص الحرفيين والنساء الرياديات في الثقافة الشعبية، لما تحمله من قيمة اجتماعية وتراثية أصيلة. كما يُعد توثيق العادات والتقاليد المرتبطة بموسم "البلدة" خطوة مهمة، ويُفضّل تقديمها بأسلوب بصري حديث يُلامس ذائقة الجيل الجديد ويُعزز التفاعل معها. ويكتمل المشهد بإبراز الجانب البيئي للمهرجان.
وتأمل الهلالي، توسيع دائرة المشاركة لتشمل الشباب والمرأة خطوة مهمة لتفعيل الطاقات الإبداعية المتجددة، والاهتمام بالتوثيق البصري والكتابي ركيزة أساسية لضمان استدامة الأثر الثقافي والاحتفائي للمهرجان.