الشباب والصحة النفسية في اليمن
الصحة النفسية في اليمن
يُعَاني العديد من شباب اليمن في ظل الصراع المستمر، وما خلفه من انعدامٍ للأمن الاِقتصادي والغذائي، من اِضطرابات نفسية مختلفة - منها الأكتئاب، والقلق، واِضطراب ثنائي القطب واِضطراب ما بعد الصدمة، والفصام - قدرت نسبة المصابين فيها بـ 19.5٪ ، ومعظمهم من النساء.
وتتعدد أسْباب اِنْتشار الاضطرابات النفسية بين الشباب، إلى جانب الحرب وتداعياتها الاِقتصادية والغذائية، من أهمها:
- وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، فوفق إحصائية أجراها (الباروميتر العربي) أن نسبة اليمنيين الذين يفصحون عن إصابتهم بالتوتر 28%، وبالاكتئاب 26%، وهي نسب جدًا صغيرة، على الرغم من أن التوتر والاكتئاب يعدان من أخف الاضطرابات النفسية.
- اِرْتباط اضطرابات الصحة النفسية بـ(الأسطورة، والخرافات، والسحر) واللجوء إلى المعالجين التقليديين من الشيوخ وغيرهم.
- الفساد والفقر واللامبالاة، التي سادت قبل الحرب وتفاقمت من بعدها.
- اِفْتقاد التوجيه المعياري لتشخيص وتقييم الصحة النفسية، ذات الصلة بالسياق الاِجتماعي والثقافي اليمني.
- الاِفْتقار إلى سياسة رعاية الصحة النفسية، التي تتطلب دعمًا في كلٌ من الموارد البشرية والمادية.
- تجاهل الحكومة اليمنية إلى حد كبير مسؤولياتها القانونية بإحترام وحماية وإعمال الحق في الصحة النفسية.
- تدهور نظام الرعاية الصحية بسبب النزاع، وعجزه عن تلبية متطلبات أزمة الصحة النفسية، فلا يعمل منها حاضرًا إلا بنسبة 51%.
- العجز في تحديد اضطرابات الصحة النفسية عند اتصال المرضى بنظام الرعاية الصحية الأولية، فحسب تقييم حديث هناك 10٪ من الموظفين المدربين على تحديدها.
- نقص الكوادر المؤهلة، حيث لا يوجد إلا حوالي 130 معالجًا مدربًا ، ولا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في البلد بأكمله 59 طبيبًا
- قلة منشات الصحة النفسية، حيث أن هناك مستشفى واحد في كلٌ من (صنعاء، وعدن، والحديدة، وتعز) ورغم وجود العديد من المؤسسات والعيادات الخاصة إلا أنها تظل قليلة جدًا، نسبةً لعدد السكان، ووفق مسح أجرته منظمة الصحة العالمية تبين أنه من بين 3,507 منشأة صحية، تتوفر خدمات الصحة النفسية في 21% منها فقط.
- شحة أدوية الاضطرابات النفسية، فهناك 75٪ من المرافق الصحية اليمنية لا توفر الأدوية النفسية الأساسية مطلقًا.
- اِرتفاع كلفة الأدوية، واللجوء بكثرة إلى اِسْتخدام الصدمات الكهربائية.
- عدم موثوقية جودة الرعاية التي تقدمها مراكز الصحة النفسية، والتي تتأثر بنقص الموظفين والتمويل.
يأتي التراجع في منظومة الصحة النفسية، وتزايد عدد المصابين بالاضطرابات النفسية، رغم تصديق اليمن بالحق في الصحة العقلية - إحدى حقوق الإنسان - والتزامه بتبني إجراءات (تشريعية، وإدارية، ومالية، وقضائية) من أجل الإعمال الكامل لهذا الحق، ولقد شهد مؤتمر الحوار الوطني التحرك الأكثر تقدمًا نحو الاعتراف بالصحة النفسية كقضية صحية خطيرة، ودعت نتائجه إلى إعطاءها الأولوية، وخصصت مادة دستورية لحق اليمنيين في السلامة الجسدية والعقلية والنفسية، إلا أن اندلاع الصراع احال من تحقيق أية إجراءات فعلية. أما المنظمات الدولية، تركزت جهودها - بسبب النقص الكبير في التمويل - على إعادة بناء المستشفيات، وعلاج جرحى الحرب، وعلى الرعاية الإنجابية، وتم إهمال الصحة النفسية تمامًا. ورغم أن اليابان منحت في يوليو 2020 - مساهمة بقيمة 3 ملايين دولار لتعزيز الصحة النفسية، إلا أنها لم تفِ بالغرض، حيث تطلبت خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2020 (2.41) مليار دولار لمساعدة 80% من السكان.
لذلك يصعب في المستقبل القريب إدخال أية تحسينات على كمية ونوعية خدمات الصحة النفسية إذا استمرت أزمة التمويل الحالية، حيث يتطلب لتعزيزها خلق بنية تحتية مناسبة، وتوفير التمويل اللازم، وتدريب الكوادر العاملة في هذا المجال، ومن ذلك ينبغي أن تعمل الحكومة على تضمين موضوع الصحة النفسية بين خططها الوطنية، والأخذ بعين الأعتبار التدخلات الطبية والصحية التي أجريت بالتعاون مع الوكالات الإقليمية والدولية، ونشر التوعية بقضایا الصحة النفسية، والتصدي للوصمات الاِجتماعیة المرتبطة بھا، وطرح قضايا الصحة النفسية على طاولة المفاوضات، خلال عمليات السلام والمصالحة، حيث يؤثر استمرار الفشل في إعمال الحق في الصحة النفسية لليمنيين على عملية السلام الجارية والاستقرار في المستقبل.