القيادة النسائية في العمل الإنساني

مقال تحليلي-توثيقي تنموي

القيادة النسائية في العمل الإنساني

كتبت/ أمل السبلاني 

   يشير ارتفاع معدلات الاعتلال والوفيات بين النساء في مناطق النزاع إلى ضرورة إعادة تقييم دورهن في قيادة التدخلات الإنسانية، وهي قضية لم تحظَ بالاهتمام الكافي رغم الالتزامات العالمية بتحقيق المساواة بين الجنسين.

   تشكل النساء أكثر من 40٪ من مقدّمي الرعاية أثناء حالات الطوارئ والحروب والكوارث، ويلعبن دورًا محوريًا في بقاء أسرهن وصمود مجتمعاتهن، ومع ذلك ما زلن يُعاملن غالبًا كضحايا لا كفاعلات أساسيات في القطاع الإنساني.

   تواجه النساء والمنظمات النسائية العديد من العوائق في هذا القطاع، تتجلى في استمرار المعايير الاجتماعية الضارة المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وفي ضعف الارتباط بين المرأة والمنظمات النسائية من جهة، ومنظومة العمل الإنساني من جهة أخرى، إلى جانب أولويات الجهات المانحة التي تحدّ من الدعم الموجّه لتلك المنظمات.

   تعكس هذه المعوقات جذورًا اجتماعية وثقافية عميقة، غذّتها فكرة خاطئة مفادها أن المرأة لا يمكن أن تكون "قائدة"، مما قلّل من قيمة صوتها وكفاءتها وأضعف حضورها في الشأن العام.

   إن أهمية القيادة النسائية في العمل الإنساني تظهر في اختلاف منهجها عن النمط التقليدي الذي يميل إلى التركيز على الاستجابة السريعة والقصيرة الأجل لحالات الطوارئ. في المقابل، تعتمد المنظمات النسائية نهجًا شاملًا وطويل الأمد، يستند إلى رؤية استراتيجية قائمة على تحقيق العدالة بين الجنسين. حيث تعمل على رفع الوعي، وتنمية القدرات القيادية للنساء، وبناء شبكات للمناصرة والتحالفات.

   وتُظهر التجارب أن القيادة النسائية أكثر فاعلية في الميدان الإنساني، لما تمتلكه من مهارات وخبرات ومعرفة دقيقة بالسياقات المحلية. ففي اليمن، على سبيل المثال، تعمل العديد من القيادات النسائية في مناطق لا تتواجد فيها منظمات دولية فاعلة، ويمتلكن معرفة بمواقع الممرات الإنسانية وقدرة على التفاوض مع السكان المحليين الذين يثقون بهن.

   وقد أظهرت دراسة استقصائية أجراها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN OCHA) على أكثر من ألف امرأة عاملة في المجال الإنساني في 115 دولة أن النساء يضفن ثلاث سمات فريدة إلى العمل الإنساني: القدرة على التواصل مع نساء المجتمعات المتضررة، وتقديم وجهات نظر مغايرة ومتكاملة، واعتماد أسلوب مميز في القيادة.

   إن مشاركة المرأة في الأدوار القيادية لا تقتصر على تعزيز الكفاءة الميدانية، بل تسهم أيضًا في جعل قضايا النساء ضمن أولويات الأجندة العالمية، وفي تحدي البنى الهرمية التقليدية التي طالما قلّلت من شأن حضورها.

   ولذلك، من الضروري عدم التعامل مع قضية المساواة بين الجنسين بوصفها شأنًا جانبيًا أو ثانويًا، بل ينبغي إدراك أن النساء يمتلكن القدرة على المساهمة الفاعلة في الاستعداد للأزمات والاستجابة لها مثل الرجال تمامًا.

   كما يجب إشراكهن في عمليات صنع القرار المتعلقة بأشكال المساعدة والحماية التي يحتجن إليها، والدفاع عن القيادات النسائية في مجالات الصراع والصحة والعمل الإنساني وفي المؤسسات الحكومية والأكاديمية والمجتمع الصحي العالمي.

   إن تمكين المرأة في هذه المواقع يضمن تدخلات أكثر فاعلية وشمولًا، قادرة على معالجة التعقيد المتزايد وتنوّع الأزمات الإنسانية حول العالم.