أنطوان كرباج والمسرح
أنطوان كرباج والمسرح
لفتتني إحدى الجمل التي كُتبت عنه، حيث وُصف بأنه "الرجل الذي تُرفع له القبعة". هو أنطوان كرباج، الذي قررت أن أطلع على أعماله، خصوصًا المسرحية. تفاجأت بدوره البارز والرائد في المسرح اللبناني والعربي. وُلِد كرباج في سبتمبر 1935 في قضاء المتن بلبنان، وبدأ مسيرته الفنية في أوائل الستينيات، حيث أنجز العديد من الإنتاجات المسرحية والسينمائية. كما شارك في أعمال سورية مع المخرج نجدة إسماعيل أنزور، مثل مسلسل "أوراق الزمن المر" في عام 1997.
ساهم كرباج في إنشاء فرقة المسرح الحديث، التي كانت لها دور رائد في الحركة المسرحية العربية. نبع هذا الإسهام من إيمانه العميق بأن المسرح هو مرآة المجتمع، ويجب أن يعكس مشاكله وقضاياه. استخدمت مسرحياته اللغة العامية المحكية بدلاً من العربية الفصحى، لتعزيز التواصل مع الجمهور وتعبئة قضايا المجتمع. وهنا نقدم أهم تلك المسرحيات.
مسرحية "الديكتاتور"
تُعتبر "الديكتاتور" واحدة من الأعمال البارزة التي عُرضت لأول مرة في عام 1969، من تأليف الكاتب عصام محفوظ. تألق في بطولتها كل من أنطوان كرباج وميشال نبعة، وكان من المقرر أن تحمل المسرحية عنوان "الجنرال"، لكن الرقابة حالت دون ذلك.
تأتي "الديكتاتور" كحلقة ثانية من ثلاثية تدور حول الشخصية المحورية "سعدون"، وتتميز بتقديمها لشخصيتين فقط: الديكتاتور، الذي أبدع كرباج في تجسيده، وسعدون، الذي قدمه ميشال نبعة ببراعة. ولم تكن هذه المسرحية مجرد عرض، بل تجربة تناولت قضية عميقة، وهي العلاقة الصدامية بين الحاكم والشعب، من خلال حوار مكثف وأداء قوي يعكسان واقع العديد من السياسيين العرب الميسورين، بينما يعيش الشعب في حالة من الفقر والضيق.
وتستعيد المسرحية اليوم مكانتها مجددًا، وهذا ليس بالأمر الجديد، إذ تُعاد كل مرة لما تحمله من دلالات وأهمية، ويشعر المشاهد في كل عرض أنها تعكس روح اللحظة الراهنة.
مسرحية "الأمير الأحمر"
من الأعمال المسرحية البارزة التي عُرضت عام 1972، من تأليف الكاتب مارون عبود، وبطولة أنطوان كرباج، بمشاركة إيلي صنيفر، وليلى كرم، وإلياس رزق.
تناولت المسرحية قضية عدم المساواة في القرى اللبنانية خلال الستينيات والسبعينيات، وهي فترة شهدت تغييرات اجتماعية وسياسية عميقة، مليئة بالتوترات بين الطبقات المختلفة. تُصور حياة القرويين، الذين يمثلون البساطة والكرامة، ومواجهتهم للسلطات المتعسفة التي تُسخر ثرواتهم وتُهمش حقوقهم. كما تستعرض العلاقة بين الرجل والمرأة، وتسلط الضوء على تأثير النظام الضريبي غير العادل، الذي زاد من معاناة القرويين وجعلهم يشعرون بالظلم والإقصاء. من خلال ذلك، تقدم المسرحية صورة حية للواقع الاجتماعي في لبنان آنذاك.
مسرحية "المهرج"
تُعد واحدة من أبرز المسرحيات التي عُرضت في عام 1974، من تأليف الشاعر السوري محمد الماغوط، وبطولة أنطوان كرباج. تدور أحداث المسرحية حول شخصية المهرج، التي تحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد الترفيه، وقد حققت المسرحية نجاحًا كبيرًا.
تناقش "المهرج" قضايا ملحة تتعلق بالأمة العربية، مثل محاربة الفساد والمفسدين، وضياع فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة، وهي تدعو إلى التغيير والتجديد، مؤكدة على أهمية تطوير السياسة العربية لمواجهة التحديات الراهنة.
وقدم كرباج مجموعة واسعة من الأدوار المتميزة في عدة مسرحيات، منها "ماكبث" لشكسبير (1962)، و"أوديب ملكًا" لسوفوكليس (1966)، و"علماء الفيزياء" (1967)، و"فاوست" لغوته (1968)، و"صح النوم" للرحابنة (1971)، و"أبو علي الأسمراني" (1994) و"يوسف بك كرم" (1994)، بالإضافة إلى "هاملت" و"الملك يموت"، و"ناطورة المفاتيح" و"ألف ليلة وليلة".
توفي أنطوان كرباج في عام 2022 عن عمر يناهز 87 عاماً، ولكن وفاته لا تعني نهاية الإرث الفني الذي تركه. فهو شخصية لا تُنسى، ويجب أن لا ننسى تأثير الفن الكبير في التعبير عن قضايا المجتمع وآمال الأمة.
وأخيراً، يبقى السؤال: متى شاهدت مسرحية تعبر عن صوت المقاومة، والفن، والأمل في زمن الأزمات؟ ومتى سيظهر أنطوان كرباج آخر في عالم المسرح؟ ولماذا لا تتاح أعماله للجمهور اليوم كما ينبغي؟