الآثار النفسية لتغير المناخ على المجتمعات الهشة
الآثار النفسية لتغير المناخ على المجتمعات الهشة
يُعتبر تغير المناخ تحديًا هائلًا، يواجه مجتمعاتنا وبلداننا اليوم. وبينما نُركز غالبًا على التأثيرات الماديّة لهذا التغير، مثل تدمير البنيّة التحتيّة نتيجة العواصف العنيفة، يتم إغفال الحديث عن التأثيرات النفسيّة، خصوصًا على المجتمعات الهشة التي تُعاني من الصعوبات للحفاظ على استقرارها، مثل الفئات ذات الدخل المنخفض واللاجئين.
في حوار أجرته (منصة نون وشين) مع رئيس جمعية العلوم النفسية في الأردن، الدكتور عاطف القاسم، أشار إلى أن التأثيرات النفسيّة الناجمة عن تغير المناخ تُؤثر على جميع المجتمعات، سواء كانت هشة أو غير هشة. ويرى أن هذه التأثيرات ليست ظاهرة مجتمعيّة، إنما ظاهرة فرديّة، إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة صيفًا أو انخفاضها شتاءً في حدوث مشكلات تكيفيّة لدى العديد من الناس، خاصة عندما يواجهون صعوبة في شراء مستلزمات الحياة الأساسيّة مثل المكيفات والمدافئ. وهذا الوضع يَخلُق ضغطًا نفسيًا عميقًا، مما قد يؤدي إلى استخدام آليات تكيف سلبية، تؤدي إلى سوء العلاقات الشخصية.
لكن ماذا عن الكوارث المناخيّة الأكثر عنفًا، مثل الفيضانات؟ هذه الكوارث قد تسبب اضطرابات نفسيّة أشد، حيث تتأثر الصحة العقلية للأفراد بشكل كبير بنوع الكارثة وظروفها الاجتماعيّة والثقافيّة. على سبيل المثال، أظهرت [أبحاث]1 حول إعصار كاترينا زيادة ملحوظة في الاكتئاب والعنف ومحاولات الانتحار، والتي لم تكن نتيجة الحدث فقط، بل أيضًا بسبب النزوح ونقص الدعم.
ولم تكن جزر البهاما والولايات المتحدة وكوبا، المتضررة الوحيدة من الفيضانات الناتجة عن تغير المناخ، فهناك العديد من الدول الأخرى التي تعرضت لخسائر جسيمة. يعتبر [اليمن]2 من البلدان الأكثر عرضة للتأثيرات السلبيّة لتغير المناخ في العالم. حيث تُواجه العديد من مدنه ومناطقه ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة والجفاف الطويل، بالإضافة إلى تذبذب سقوط الأمطار، وتدهور التربة الزراعيّة، ونضوب وتلوث مصادر المياه، مما أجبر العديد من السكان على الهجرة الداخليّة والنزوح بحثًا عن الخدمات الأساسيّة.
وفي أواخر تموز، من العام المنصرم شهدت العديد من المناطق في اليمن أمطارًا غزيرة وفيضانات مدمرة أدت إلى تدمير الآلاف من المنازل ونزوح آلاف الأسر. وقد أكدت [المنظمة الدوليّة للهجرة] مئات آلاف الأشخاص تضرروا من الفيضانات "غير المسبوقة". https://goo.su/psYp3J9. 5 سبتمبر 2024.أن هذه الأمطار لم تسبب فقط خسائر مأساويّة في الأرواح، بل قضت أيضًا على ممتلكات مجتمعات بأكملها ووسائل البقاء على قيد الحياة، مما يعكس عمق الأزمة الإنسانيّة في اليمن.
أحد الأمثلة على هذه المعاناة محمد شبيلي، يعيش في قرية الحريقية في الحديدة، وهو يعول تسعة من الأبناء، ويعمل مزارعًا. واجه ظروفًا قاسية نتيجة الأزمات المناخيّة المستمرة، حيث أدت الفيضانات إلى تدمير منزله، وازدياد الضغط النفسي عليه. وقصته تعكس واقع العديد من الأفراد في المجتمعات الهشة، الذين يواجهون صعوبات متزايدة نتيجة التحديات البيئية والاجتماعية، ويفتقدون للدعم النفسي.
ومن خلال قراءة العديد من الدراسات والأبحاث، يظهر لنا بوضوح أن التأثيرات النفسيّة الناجمة عن تغير المناخ تكون أكثر حدة ووضوحًا في المجتمعات الهشة، التي تفتقر إلى الرعاية الصحيّة الأساسيّة والبنيّة التحتيّة الضرورية. وفي هذا السياق، يُعتبر الوضع في اليمن الأسوأ من ناحية التعامل مع الأزمات النفسيّة، فنظرة المجتمع السلبيّة تجاه الطب النفسي تُساهم في تفاقم المعاناة، حيث تعوق الكثير من الأفراد من السعي للحصول على المساعدة اللازمة.
يؤدي غياب الدعم النفسي والاجتماعي في هذه المجتمعات إلى تعزيز مشاعر العجز وفقدان الأمل، مما يؤثر سلباً على التماسك الاجتماعي ويزيد من معدلات العنف. فعندما يشعر الأفراد بعدم القدرة على السيطرة على حياتهم، تتدهور الروابط الاجتماعية وتظهر مشاكل سلوكية وصحية أكثر تعقيدًا. لذا، يُعتبر فهم التأثيرات النفسية لتغير المناخ على هذه المجتمعات أمرًا بالغ الأهمية، حيث يتطلب الأمر تبني مقاربة شاملة، لا تأخذ في الاعتبار فقط التحديات المادية، بل أيضًا الأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة التي تؤثر في جودة حياة الأفراد.
[1]. Fritze, Jessica G., and Grant A. Blashki. "Hope, Despair and Transformation: Climate Change and the Promotion of Mental Health and Wellbeing." International Journal of Mental Health Systems, vol. 2, article no. 13, 2008.
[٢]. سيغهارت، ليا. "مواجهة تحدي تغير المناخ في اليمن." مدونات البنك الدولي، 12 يونيو 2012.