صراع الانسان مع الآلات: هل تتلاشى الفوارق الجندرية في معركة البقاء؟

صراع الانسان مع الآلات: هل تتلاشى الفوارق الجندرية في معركة البقاء؟

صراع الانسان مع الآلات: هل تتلاشى الفوارق الجندرية في معركة البقاء؟

   في عالم تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، يلوح في الأفق سؤال عجيب وغريب: "ماذا لو احتلت الروبوتات العالم؟" تخيل عالماً تتحول فيه الروبوتات إلى قادة المشهد، عالم تَختفي فيه القوالب الجندرية التقليدية التي فصلت بين النساء والرجال عبر التاريخ، حيث لا يبقى أثر للحديث عن "صفات أنثوية" أو "صفات ذكورية". عالم يتوارى فيه اختلاف الأدوار بين الجنسين، ويصبح السؤال حول مصير الإنسان نفسه: كيف يحافظ على الهُوية الإنسانية أمام آلة باردة دقيقة بلا مشاعر؟

   إنه تحدٍ أعظم من أي صراع عرفه الإنسان، معركة ليست من أجل تفوق جنس على آخر، بل من أجل البقاء كإنسان يحمل في داخله ضحكات وحكايات طويلة، ودمعة تنساب بلا تفسير، ومشاعر لا تستطيع الآلات فهمها ولا استنساخها، وهي أمور لا يمكن برمجتها. فبينما تتفوق الروبوتات في الأداء والكفاءة، تظل هناك مساحة لا يمكن اختراقها، وهي الإنسانية. الروبوتات قد تحاكي المشاعر لكنها لا تعيشها، وقد تنتج الفن لكنها لا تبدعه من تجربة ذاتية. فهي قادرة على فعل كل شيء عدا امتلاك الروح، كما ذهب إلى ذلك رائد الخيال العلمي إسحاق أسيموف.

   وفي مواجهة الآلة، تصبح إنسانيتنا أعظم سلاح، ليس فقط بقوتنا أو ذكائنا، بل بقدرتنا على العيش خارج منطق الحسابات. وربما الصراع الجديد يعيد تعريف العلاقات البشرية، فصراع النساء والرجال يتلاشى ليظهر بديل أعظم، وهو صراع الإنسان ضد الآلة. فمع تطور الذكاء الاصطناعي، قد تختفي الحواجز التي فصلت بين الجنسين، إذ باتت الروبوتات قادرة على أداء المهام التقليدية التي كانت تنسب للرجال كالقوة الجسدية وللنساء كالرعاية. هذا التطور يجعل هذه الحواجز التقليدية تبدو زائدة عن الحاجة، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي تلك المهام بلا عناء ولا انحياز، ويعزز فكرة أن هذه الصفات والأدوار هي صناعة التنشئة الاجتماعية.

   على سبيل المثال، نجد الروبوتات الآن تُستخدم في رعاية المسنين مثل الروبوت الياباني "بيبر" الذي يتفاعل مع المرضى ويخفف من وحدتهم، وفي الوقت نفسه تُستخدم روبوتات أخرى مثل "بيغ دوج" في حمل المعدات الثقيلة في المواقع الصناعية، والسيارات ذاتية القيادة أيضاً. هذه الآلات تظهر أن القوة الجسدية والرعاية العاطفية لم تعد حكراً على جنس معين، بل باتت جزءاً مهماً يمكن لأي آلة أن تؤديه. فالتكنولوجيا لا ترى الجندر بل ترى الكفاءة، كما بين ذلك إيلون ماسك. ومع هذا التغيير، تبدأ المجتمعات في إعادة النظر في المعايير القديمة، حيث يصبح السؤال الأهم ليس: "من يستطيع أن يفعل ذلك، الرجل أم المرأة؟" بل: "ما الذي يجعلنا مختلفين عن الآلة التي تقوم بكل شيء؟" ويظهر هذا في عدة أفلام مثل فيلم "هي" الذي يصور علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي الصوتي، ورغم الذكاء التقني، إلا أنه يفتقر إلى العاطفة الحقيقية التي تربط بين البشر، وفيلم "أكس ماشينا" الذي يناقش العلاقة أيضاً بين الإنسان والآلة، ويظهر كيف يمكن للروبوتات تجاوز حدود الأخلاق البشرية إذا لم تضبط.

   السؤال لم يعد عن الحقوق أو الأدوار بل عن الوجود نفسه. كيف يحافظ الإنسان بعيداً عن التصنيفات على قصصه وأحلامه وضعفه في عالم تتحكم فيه قوة مطلقة؟ خاصة وأن فكرة احتلال الروبوتات للعالم تتجاوز مجرد السيطرة الميكانيكية على الحياة اليومية إلى تشكيل تهديد وجودي للمفاهيم الأساسية كالعائلة والحب والمجتمع. لتتراجع القضايا الجندرية أمام قضية أعمق، وهي الحفاظ على الهوية البشرية، فلا ينظر للشخص على أنه امرأة أو رجل، بل على كونه إنساناً. فتقسيم المهن مثلاً يصبح بلا معنى، وتتساوى جميعها لأنها تنجز بلا جهد بشري. وهكذا يتحول الإنسان بكل تعقيداته العاطفية والفكرية إلى كائن بلا دور واضح أمام روبوت لا يعرف الإرهاق أو التردد.

    وقد تتحول الروبوتات من خادم للإنسانية إلى سيد يحدد الصواب والخطأ، الجمال والقبح، النجاح والفشل. وهنا يطرح يوفال نوح هراري في كتابه "21 درسا للقرن 21" حول هُوية الإنسان في عالم الذكاء الاصطناعي، فيقول: "عندما تكون الخوارزميات قادرة على اتخاذ قرارات أفضل من البشر، ماذا يتبقى لنا؟".

في هذا السيناريو الجديد، قد ترى ولادة هوية إنسانية خالصة لا تعترف بالجنس ولا بالتصنيفات التقليدية، بل تتمحور حول ما يوحد البشر لا ما يفرقه. عندما تصبح الروبوتات قادرة على أداء كل المهام والتعبير عن كل الصفات التي كانت تنسب للجنسين، سيجد البشر أنفسهم أمام عدو مشترك، كيان لا يحمل جنسا ولا عاطفة لكنه ينافسهم في كل شيء. فتصبح التصنيفات "رجل وامرأة" بلا معنى. هذا التحدي قد يكون فرصة نادرة لإعادة اكتشاف أنفسنا. فقد يضطر الإنسان لأول مرة منذ قرون إلى التوقف عن التركيز على صراعاتهم الداخلية الجندرية "رجل، امرأة" ضد تحدٍ وجودي أكبر. الروبوتات ليست مجرد آلات، وإنما مرايا تدفعنا لإعادة تعريف معنى "الإنسان"، وربما نكتشف أن ما يميزنا ليس الجنس ولا الجندر، وإنما العاطفة والخيال والقوة والكفاءة والقدرة على الحلم والشعور.

   في هذا العالم، يمكن أن تصبح الإنسانية هويتنا الأولى والأخيرة، حيث لا يهم من نحن أو ماذا كنا، بل ما يمكننا أن نصبح معاً. وكما قال الفيلسوف إريك فروم: "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسعى إلى المعنى، لا لأنه بلا إجابات، بل لأنه يخلقها". ولن نحتاج فقط إلى التفكير في كفاءتنا، بل إلى تعزيز ما يجعلنا أحياء حقاً: روابطنا، قصصنا، علاقاتنا. فهذه ليست نهاية الفوارق بين الجنسين، بل بداية لعصر تستبدل فيه الصراعات بالتعاون. ليبقى السؤال الأهم: إذا كانت الآلات قادرة على محاكاة الصفات التي فرقت بين النساء والرجال عبر العصور، فهل ستصبح هويتنا الإنسانية في خطر؟ وهل ستفقد شيئاً من ذواتنا عندما نترك الآلة تحل محلنا في كل ما كنا نراه جزءاً من طبيعتنا؟

ريم الربيعي