آليات إدماج فئة المهمشين في اليمن

آليات إدماج فئة المهمشين في اليمن

كتبت/ أمل السبلاني 

   تمثل قضية المهمشين في اليمن واحدة من أبرز التحديات الإنسانية والاجتماعية التي لا تزال قائمة منذ عقود، حيث تعكس واقع التمييز البنيوي والحرمان التاريخي الذي عانته هذه الفئة. وبعد استعراضنا السابق لأوضاعهم ومعاناتهم، نطرح هنا مجموعة من المقترحات والآليات التي يمكن أن تسهم في إدماجهم فعليًا داخل المجتمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

   تنص المادة الخاصة بالمواطنة المتساوية في الدستور اليمني على أنه "لا تمييز بين اليمنيين بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو العقيدة، أو المذهب"، إلا أن الدولة لم تتخذ حتى الآن أية إجراءات صارمة لمعالجة أوضاع المهمشين.

   ويمكن تفسير ذلك بأن الطريق إلى التنمية العادلة في اليمن، كما في العديد من الدول العربية، ما يزال محفوفًا بالصعوبات والتحديات، خاصة مع اعتماد أنظمتها الاقتصادية على سياسات ليبرالية عمّقت الفوارق بين أفراد المجتمع، في ظل ضعف التقديمات الاجتماعية وتدهور الأوضاع السياسية وانتشار الفساد والمحسوبيات وغياب تكافؤ الفرص.

   ولا يمكن معالجة ذلك دون بناء منظومة نقيضة لهذه المظاهر، تتبنى مقاربة تنموية تشاركية ترتكز على العدالة الاجتماعية وتشمل المهمشين، وتستند إلى مبدأ "عدم إهمال أحد" الذي تقوم عليه خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي تعهّد فيها المجتمع الدولي بضمان أن يشمل الازدهار الجميع.

   من هذا المنطلق، يمكن تحديد القواعد الأساسية التي يجب أن ترتكز عليها آليات إدماج فئة المهمشين في المجتمع اليمني. تبدأ هذه الآليات بالنزول الميداني إلى تجمعاتهم، وإجراء دراسات ومسوح واقعية لمعرفة أوضاعهم، وتشجيع مختلف فئات المجتمع على التعاون معهم.

   كما يجب تعزيز الدور المركزي للدولة، وتفعيل قدرات المجالس المحلية المنتخبة في تطبيق قوانين العدالة الاجتماعية باعتبارها أحد أهم مكونات وشروط أي عملية تنموية، مع العمل على تهيئة قضاء عادل ومنصف.

   ومن الضروري أيضًا تشريع قوانين واضحة ورادعة تجرّم العنصرية بجميع أشكالها المادية والمعنوية، وإرساء بنية تعليمية تقوم على العدالة والمساواة بين جميع فئات المجتمع.

   يجب نشر الوعي بأهمية التعليم في أوساط المهمشين، وبناء المدارس في تجمعاتهم، وإلزام الأطفال بالالتحاق بها، إلى جانب اعتماد نظام الإدارة الذاتية للمدارس لتمكين القائمين على العملية التعليمية من تحسين جودتها، ورصد التلاميذ المهمشين والعمل على استيعابهم، ونشر ثقافة التعليم الشامل داخل المدرسة.

   كذلك ينبغي توفير فرص عمل مناسبة لهم، وتسهيل عمل المؤسسات الإغاثية وتشجيعها على الوصول إلى مجتمعات المهمشين، وتسهيل التحاقهم بالتدريب المهني تمهيدًا لدمجهم في سوق العمل. كما يُعد إشراك المهمشين في العملية السياسية ومناصب الدولة خطوة جوهرية لتحقيق المساواة والمواطنة المتكافئة.

   يأتي الإعلام كأداة فعالة في هذا السياق، إذ يجب توجيهه نحو نشر ثقافة المساواة بين جميع فئات المجتمع اليمني، وإنتاج ونشر فيديوهات تشاركية تُسلط الضوء على حياة المجتمعات المهمشة، إلى جانب استخدام الفنون كوسيلة لإيصال أصواتهم وبناء مهاراتهم في التعبير عن احتياجاتهم وتطلعاتهم. ويمكن أيضًا توظيف المدارس والمساجد لتغيير الثقافة المجتمعية السائدة تجاه هذه الفئة من خلال حلقات التوعية المختلفة، ودعم الأنشطة التي تعزز قيم ومبادئ التعايش.

   ولتحقيق تأثير فعلي، يُستحسن ابتكار آلية عمل مشتركة بين منظمات المجتمع المدني والإعلام تُسهم في إظهار الصورة الإيجابية المغيبة عن المجتمعات المهمشة، وتهيئة مساكن مناسبة لهم، وتعزيز احتوائهم اجتماعيًا واقتصاديًا وتعليميًا وتكنولوجيًا.

   كما ينبغي دعم تشكيل اتحاد بين منظمات المجتمع المدني ومنظمات المهمشين، والاستثمار في بناء قدرات الأخيرة، وتطوير آلية تمويل تلبي احتياجاتها.

   ومن بين الخطوات العملية المهمة أيضًا، إطلاق حملة وطنية لتوفير بطاقات الهوية الشخصية لجميع المهمشين، وتحفيز برامج الادخار، وإيجاد حلول تجارية مبتكرة للسكن والمأوى في الأحياء الفقيرة، وتعزيز الإدماج المالي للشباب المهمشين في مبادرات التمويل الأصغر وريادة الأعمال.

   كما يجب توفير الضمان الصحي والاجتماعي لهم، وتقديم المساعدات الغذائية والعلاجية، ودعم الأحياء الأشد فقرًا التي يعيشون فيها في عدن ولحج وأبين، وبناء قاعدة بيانات دقيقة عن هذه المناطق وتزويد الجهات المانحة بها لتسهيل توفير الخدمات.

   وأخيرًا، فإن تفعيل برامج الحماية الاجتماعية التي تواكب التطورات والتغيرات في المجتمع يُعد أحد أهم الأعمدة التي يمكن أن تُسهم في دمج المهمشين وتمكينهم من المشاركة الفعلية في بناء اليمن الجديد القائم على المساواة والعدالة.