تأثير المعلومات المضللة والمزيفة على المجتمعات: اليمن أنموذجًا

تقرير صحفي/ تحقيقي

تأثير المعلومات المضللة والمزيفة على المجتمعات: اليمن أنموذجًا

كتبت/ أمل السبلاني 

   تُعد وسائل السوشيال ميديا مصدرًا أساسيًا لانتشار المعلومات المضللة والمزيفة، وخاصة في المجتمعات الأمية والمهمشة، المفتقدة للإمكانات التي تساعدها في الوصول إلى المصادر الموثوقة.

   ويُعتبر اليمن أحد البلدان التي تعاني من التهميش والأمية، بسبب الصراعات المسلحة التي فككت نسيجه الاجتماعي، وفاقمت أزمته الإنسانية، من انعدام الأمن الغذائي والتعليم، إلى سوء التغذية وتفشي الأمراض المزمنة والأوبئة.

ساعدت أوضاع البلاد التي لا تعكس وضعه العام ولا تشمل جميع مناطقه وفئاته الاجتماعية، في ارتفاع حجم تأثير المعلومات المضللة والمزيفة، إلى جانب عوامل أخرى أشار إليها مذيع قناة عدن، محمد السقاف، وهي طبيعة وخصوصية المجتمع اليمني، الذي يغلب عليه الطابع العاطفي، ومستوى قبوله لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود نسبة كبيرة من الأفراد الذين لا يمتلكون التعليم الكافي والوعي لتمييز الصواب من الخطأ، إلى جانب أن المستهدفين بهذه الأنباء غالبًا ما يتحولون إلى وسيلة لنشرها.

التأثير الصحي

   عانى المجتمع اليمني في السنوات الأخيرة من تأثيرات صحية سلبية، نتيجة انتشار المعلومات المضللة حول كوفيد-19، والتي أثرت على اتخاذه للإجراءات الوقائية اللازمة، وقوضت الجهود الدولية لتوفير اللقاحات المضادة للفيروس المستجد.

   ولمعرفة المزيد حول هذا الجانب، التقت منصة نون وشين بالدكتور عادل معيض، رئيس منظمة SOS للإغاثة وإدارة الأزمات، الذي أشار إلى أن "بعض الأطراف السياسية استخدمت المعلومات الصحية المضللة لتشويه بعضها البعض، وهو ما حصل عام 2014، عندما تم الادعاء بأن الأدوية الموزعة على المدارس في عدن وصنعاء غير مصرح بها، وأنها تهدف للحد من النسل، بينما كانت علاجًا للديدان المعوية المنتشرة بين طلاب المدارس آنذاك".

   أدت هذه الإشاعات إلى إيقاف النشاط، ورغم استئنافه من قبل وزارة الصحة العامة والسكان، إلا أن نسبة المحصنين لم تصل إلى 60% من إجمالي طلاب المدارس، بسبب إيقاف دعم البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.

   وطرح معيض بعض الآثار الكارثية لنشر المعلومات الصحية المضللة عن لقاحات الأمراض الخطيرة، شملت انخفاض تغطية التطعيم الروتيني للأطفال مقارنة بالأعوام السابقة بسبب التشكيك باللقاحات والعاملين الصحيين، وارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال، وضعف دور وزارة الصحة في نشر التوعية، وتخليها عن بعض أنشطتها الصحية بسبب تجاوبها للمعلومات المضللة، وإيقاف الدعم المالي والفني من جانب المنظمات الداعمة، وانتشار الأوبئة مثل الجدري والسعال الديكي والحصبة والكوليرا.

التأثير السياسي

   تم استغلال المعلومات المضللة في اليمن للتأثير على الرأي العام، وتوجيه السياسات وصنع القرارات، والترويج لأجندات سياسية وأيديولوجية، ما أدى إلى زعزعة الثقة بالحكومة وبالمؤسسات السياسية، وتقويض الاستقرار السياسي في البلاد.

   يرى الكاتب السياسي الأستاذ الدكتور عبد الله أبو الغيث، أن أبرز التأثيرات السياسية لنشر المعلومات المضللة والمزيفة على المجتمع اليمني هي بلبلة ذهن المواطن، وعجزه عن تكوين تصور لما ستؤول إليه الأوضاع في وطنه، فهو يطالع المعلومة ونقيضها، ولا يدري ما الذي يصدقه وما الذي يكذبه، لأن كل طرف يحاول أن يسرّب المعلومات التي تخدم موقفه وتضر بمواقف الأطراف الأخرى، دون عمل أي حساب للتأثيرات السلبية والصدمات النفسية التي قد تصيب المواطن البسيط، جراء العبث غير مدروس العواقب.

   يتمثل الضرر الأكبر لنشر تلك المعلومات في تعقيد الأزمة اليمنية وتصعيب إيجاد حل لها، فكثير مما يُنشر يكون هدفه إما جس نبض الشارع اليمني، أو توجيهه في اتجاه محدد يخدم الجهة المسربة للمعلومة، فتتضارب لديه الاتجاهات المتعددة، ما يجعله يفقد الثقة بالجميع، وتتضاءل لديه فرص الخروج من الأزمة، ويستسلم لمجرياتها منتظرًا أي حل سيبدو في الأفق، بغض النظر عن ماهيته، وربما ذلك يمثل الهدف الرئيس لترويج مثل تلك المعلومات.

   ختم أبو الغيث حديثه قائلاً: "ننصح المواطن اليمني بأن لا يستمع لكل من هب ودب، ولا يأخذ معلوماته إلا من مصادر يثق بصحتها، مستفيدًا من خبرته المتراكمة عن طول التعامل مع مصادر المعلومات، وسيتمكن بذلك من تمييز الغث من السمين، إلى جانب إخضاعه لكل ما يتلقاه من معلومات للتحليل المنطقي والمقارنة السليمة قبل تصديقها أو رفضها".

التأثير الاقتصادي

   تشمل التأثيرات الاقتصادية للمعلومات المضللة في اليمن العديد من الجوانب، وللتطرق إليها التقينا بالخبير الاقتصادي رشيد الحداد، الذي أشار إلى تأثيراتها السلبية، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار المواد الغذائية وتناقص الاستقرار التمويني، واختفاء مواد أساسية كالقمح والذرة والدقيق وغيرها من السلع والمنتجات التي تحظى بأولوية الاستهلاك في المجتمع اليمني.

   يقول الحداد: "عندما يتم تناول المعلومات الإخبارية المضللة والمزيفة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية وبالسلع الهامة الاستراتيجية، تكون الآثار سلبية جدًا، حيث تسبب الهلع لدى المواطنين، وتؤدي إلى ارتفاع معدل الطلب، وبالتالي تظهر أزمات حقيقية في حال لم يكن هناك مخزون كبير، مثل ما حدث أثناء الأزمة الروسية الأوكرانية بعد أن نُشرت الشائعات عن اختفاء القمح في الأسواق وتناقص مخزونه الاستراتيجي، فاندفع الكثير من المواطنين لاستئجار مخازن للدقيق وشراء كميات كبيرة منه فوق احتياجاتهم".

   وفيما يتعلق بنشر المعلومات المضللة وتدهور أسعار المشتقات النفطية، يرى الحداد أن مواقع السوشيال ميديا هي من قادت الأزمات الخاصة بالوقود خلال السنوات الماضية بنشر أخبار تفيد بانعدامه في الأسواق، ودفع الناس إلى تخزينه بكميات كبيرة في منازلهم.

التأثير الاجتماعي

   أدى انتشار المعلومات المضللة إلى تعزيز الانقسامات الاجتماعية في المجتمع اليمني، وتفاقم الخلافات والصراعات بين أفراده.

   في هذا السياق، يقول أ.د. طه حسين بن هديل، الملحق الثقافي اليمني بالرياض: "للأخبار المضللة أثر خطير ليس على المستوى الاجتماعي فقط، ولكن حتى على المستوى النفسي والشخصي للمواطنين أنفسهم، حيث أن الكثير من المواقع الإلكترونية اليوم والصفحات الخاصة، المعروفة والمجهولة بأسماء وهمية، حملت على عاتق أصحابها مهمة نشر الإشاعات الكيدية والأكاذيب المشوهة والمضللة ضد بعض معارضيهم وأعدائهم، دون مراعاة لما يُنشر وعواقب ما يُذكر على مستوى محيطهم الاجتماعي".

   ويكمل: "يبدو أن عدم وجود قانون لردع مثل هذه المواقع ومحاسبة أصحابها ساعد على تمادي الكثير منهم، حتى أصبحت بعض تلك المواقع أجيرة لدى بعض الجهات، تفعلها عند الحاجة فقط مقابل مادي قد يصل إلى مبالغ مجزية أو رواتب شهرية منتظمة، وبحكم ما تقوم به هذه المواقع من أعمال سلبية، زادت نسبة الإشاعة والأكاذيب بين مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، وشوهت بعض الشخصيات رغم تاريخها الناصع وسمعتها الطيبة".

الحلول:

   ولمعالجة تأثير المعلومات المضللة والمزيفة على المجتمع اليمني، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها تنمية المسؤولية الفردية في استهلاك ونشر المعلومات من خلال زيادة توعية الأفراد وتوفير فرص التعلم والتدريب المستمر لهم، وتنظيم الندوات والمنتديات وورش العمل التي تعزز التفكير النقدي لمساعدة الأفراد على تحليل المعلومات وتقييمها بشكل منهجي، ودعم وتعزيز وسائل الإعلام المستقلة التي تقدم المعلومات الدقيقة والموثوقة، وتعزيز التدريب والتطوير المهني للعاملين في الوسائل الإعلامية والمنصات المجتمعية.

   كما ينبغي إجراء البحوث والدراسات العلمية وأوراق سياسية ذات دراسة مركزة لتطوير استراتيجيات مكافحة المعلومات المضللة في اليمن، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة المعلومات المضللة من خلال وضع تشريعات تجرم نشرها وتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بها، وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال قوانين وشروط صريحة تنظم عمل شركات الاستضافة والمواقع الإخبارية في اليمن، بالإضافة إلى حظر الوصول المجتمعي للمواقع الإخبارية الضارة عبر بوابتي "تيليمن" و"عدن نت"، لتعزيز الدور الحكومي في مكافحة وصول المعلومات المضللة إلى المجتمع اليمني.