البُن اليمني وأصل الحكاية
كتبت/ أمل السبلاني
عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، هل تعلم أن هناك ارتباطًا تاريخيًا وثيقًا بين اليمن والبُن؟ تروي الحكايات والأساطير أن صوفيًا يمنيًا سافر إلى إثيوبيا، ولاحظ أثناء تواجده على منحدرات جبل، معيز تقفز وترقص بشكل غريب، بينما تمضغ أوراق شجرة البُن وحبوبها. جرب هو أيضًا تناولها، فوجدها مرّة، ثم قام بسلقها وشرب سائلها، وشعر بالراحة واليقظة، وهكذا وُلِد أول فنجان قهوة. نقل الصوفي شتلات البُن إلى اليمن وقدم المشروب لتلاميذه، الذين ساعدهم على البقاء مستيقظين أثناء تأملاتهم، كما شعروا بحالة من اليقظة والبهجة (جامعة الدول العربية، 1978).
هناك رواية أخرى تشير إلى أن أول من زرع شجرة البُن في اليمن كان جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني في القرن الخامس عشر الميلادي، وهو الذي كان متوليًا رئاسة الإفتاء في عدن، وقد تعرف على مشروب القهوة أثناء إقامته في الحبشة، ثم أحضره معه إلى اليمن، واستخدمه الصوفيّة للسهر وقيام الليل والتعبد (Bernard Haykel, 2010).
بعض الباحثين يرون أن اليمن هي الموطن الأصلي للبُن استنادًا إلى نتائج بعثة استطلاعية تابعة لمنظمة الغذاء والزراعة الدولية لدراسة أشجار البُن في الحبشة عام 1964م (IBP, Inc., 2016).
انتشر البُن اليمني إلى جزيرة العرب قبل نحو 1300 عام، رغم الموانع الدينية والسياسية التي كانت تمنع تداوله في بعض المناطق، وانتقل إلى مصر في القرن الخامس عشر عبر الطلاب اليمنيين في الجامع الأزهر. وقد تسرب مشروب القهوة إلى أوروبا عن طريق القسطنطينية والبندقية في القرن السابع عشر، بعد رحلة ليونهارد راولف إلى جزيرة العرب، وقد ذُكر المشروب في كتابه الرحلات المطبوع في فرانكفورت عام 1538م باسم (kajveh)، الذي اشتُق منه فيما بعد الاسم الإنجليزي (Coffee) والفرنسي (Café) (Roger H. Guichard, 2007).
خلال القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، أصبح البُن اليمني من أثمن السلع في التجارة العالمية، حيث تنافس عليه الإنجليز والهولنديون والفرنسيون، وكان ميناء المخا مركزًا رئيسيًا لتصديره، ومن هنا جاء مصطلح "موكا" (Mocha) الذي أطلق لاحقًا على جميع واردات القهوة من الجزيرة العربية. وصف تاجر من القرن الثامن عشر طبيعة تجارة البُن بقوله: "يمكن اعتبار ثروات اليمن بسبب قهوتها وحدها"، وكانت عوائدها من أهم مصادر دخل الدولة القاسمية، حتى أُطلق على اليمن لقب "إمامة القهوة" (Ragaei el Mallakh, 2013).
رغم اختلاف الروايات حول أصل البُن بين اليمن وإثيوبيا، يتفق الخبراء على أن معظم البُن الذي زرع في العالم نشأ من اليمن. يقول فهد الشهاري، أحد منتجي القهوة اليمنية، في حواره مع منصة نون وشين: "البُن الذي زُرع في العالم أغلبه يمني، ولا زال لم يتم تحديد أصله بدقة، حيث تبلغ فصائل البُن في اليمن 44 فصيلة تعود للفصيلة الأم 'تيبيكا'، وهي تختلف عن تلك الموجودة في إثيوبيا"، بينما تشير راشيل هاجر إلى أن "الزراعة الرسمية للبُن بدأت في اليمن وما زالت القهوة اليمنية تعتبر الأفضل عالميًا" (Rachel Hajar, 2023).
تراجعت تجارة البُن اليمني منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر نتيجة عدة عوامل، منها توقف تجارة العبور المصرية للبُن بسبب حرب السنوات السبع (1756-1763)، واضطرابات الحكم العثماني في اليمن، إضافة إلى منافسة قهوة جافا بعد نجاح الهولنديين في نقل شجرة البُن من اليمن إلى مستعمراتهم في جزر جافا وسيلان وومانغ عام 1715م، ثم إلى البرازيل عام 1727م، وحتى غرب ووسط إفريقيا (Fawzi ATaha, 1980). ومع بداية القرن العشرين، قصفت المدفعية الإيطالية ميناء المخا 1912م خلال الحرب العثمانية الإيطالية، فتولت عدن دور التصدير، إلا أن اسم المخا ظل علامة على جودة البُن اليمني (Max Kasparek, 2008).
تواجه صناعة البُن اليمني اليوم العديد من التحديات، من أبرزها ارتفاع تكاليف الشحن بسبب الوضع الأمني في البلاد وإغلاق المطار، بالإضافة إلى قلة الإنتاج مقارنة بالطلب العالمي، وارتفاع أسعار البُن اليمني نظرًا لجودته العالية، ما يجعله الأغلى تجاريًا مقارنة بالبرازيل وغيرها، فضلًا عن تراجع زراعة البُن لصالح القات بنسبة 60% مقابل 40% للبُن، وعدم تطوير البنية التحتية لمناطق الزراعة من طرق وكهرباء وخدمات أخرى، الأمر الذي يزيد تكاليف الإنتاج (الشهاري، 2023).
ورغم هذه الصعوبات، يرى أ. د. أمين الحكيمي، المدير التنفيذي لمؤسسة التشاركية للبحوث والدراسات، وأستاذ تربية النبات وإنتاج البُن بكلية الزراعة جامعة صنعاء، أن العودة إلى الصدارة ممكنة، شريطة الحفاظ على بيئة نظيفة لإنتاج البُن بعيدًا عن الملوثات الهوائية والمائية والأرضية، والمواد الكيميائية، والحفاظ على الجودة دون التركيز فقط على الإنتاجية العالية، ودعم المزارع اليمني بالوسائل التقليدية، وإعطاء المجال للبحث العلمي وتوحيد الجهود في هيئة وطنية عليا للمحافظة على سمعة البُن (الحكيمي، 2023).
المراجع العربية:
1. جامعة الدول العربية: تطوير زراعة البن في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. الخرطوم، 1978.
2. دوبلة، حمدي: "بن اليمن هل يحافظ على بريقة"، العدد 119، سبتمبر 2005، ص 77.
3. السعدي، عباس: البن في اليمن... دراسة جغرافية. مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، 1992.
4. غالب، أحمد: "واقع وآفاق زراعة البن في اليمن"، مجلة المالية، العدد 115، سبتمبر 2004، ص 24.
5. غالب، أحمد: "البن اليمني الأشهر في الأسواق العالمية"، مجلة المالية، العدد 140، ديسمبر 2010، ص 10.
المراجع الأجنبية:
1. Adnan Tarcici: The Queen of Sheba's Land: Yemen (Arabia Felix), Page 44.
2. Bernard Haykel: Revival and Reform in Islam: The Legacy of Muhammad Al-Shawkani, University of Cambridge, Pages 16-17.
3. Fawzi ATaha: The Yemen Arab Republic: An Export Market Profile, Page 18.
4. IBP, Inc.: Yemen Taxation Laws and Regulations Handbook - Strategic Information and Basic Law, Page 129.
5. Khaldoun Nassan Al-Naqeeb: Society and State in the Gulf and Arab Peninsula, Page 55.
6. Max Kasparek: Yemen, the Haraz Mountains: A Hiking and Trekking Guide, Page 28.
7. Rachel Hajar: My Life in Doha: Between Dream and Reality, Page 66.
8. Ragaei el Mallakh: The Economic Development of the Yemen Arab Republic, Page 161.
9. Robert D. Burrowes: Historical Dictionary of Yemen, Scarecrow Press, Page 70.
10. Roger H. Guichard: Niebuhr in Egypt: European Science in a Biblical World, Page 159.
المقابلات:
1. الحكيمي، أمين. جامعة صنعاء، كلية الزراعة. 5 مارس 2023، 10:30 ص.2. الشهاري، فهد. مقهى درر، صنعاء. 5 مارس 2023، 12:00 م.