الثقافة التنظيميّة

مقال تحليلي/ تثقيفي

الثقافة التنظيميّة

كتبت/ أمل السبلاني

   تُعد الثقافة التنظيمية إحدى المحاور الأساسية للبيئة الداخلية للمنظمة، والمكون المؤثر على مشاعر وسلوكيات الجهات المرتبطة بها. بدأ الاهتمام بالثقافة التنظيمية بعد ظهور الدور الهام للبعد القيمي في أي عملية تنموية، وبالتحديد بعد بروز نظرية الإدارة اليابانية المعروفة بنظرية (Z)، والنماذج التنموية الآسيوية.

   ورد مصطلح "الثقافة التنظيمية" لأول مرة في المجلة الاقتصادية الأمريكية (Business Week), كما أدرجت مجلة (Fortune) ركنًا خاصًا بها تحت عنوان "Corporate Culture". ثم جاء الباحثان T.E. Deal وA.A. Kennedy بكتاب تحت عنوان Corporate Culture، واضعين اللبنة الأولى للثقافة التنظيمية، التي يمكن تعريفها بأنها الوسائل التي تعمل على إرشاد وتوعية الأفراد داخل المنظمة. كما أنها مجموعة القيم والعادات والاعتقادات وقواعد السلوك والمعايير التي تحتكم لها المجموعة، بالإضافة إلى التصورات الذهنية التي يرسمها الأفراد عن منظمتهم. الثقافة بطبيعتها لا تتجلى إلا بعد إدراك تأثيراتها.

   ولتوضيح ماهية ثقافة المنظمة، أجمعت أغلب المراجع على عدة محاور أهمها انتظام وتناسق سلوكيات أفراد المنظمة، والتي تتمثل في اللغة والمفردات والطقوس، وكذلك القواعد المحددة للسلوكيات المقبولة وغير المقبولة، والمعايير التي تتبعها المنظمة مثل حجم العمل ودرجة التعاون بين الإدارة والعاملين. كما تشمل القيم التي تتبناها المنظمة مثل تحقيق الجودة العالية، بالإضافة إلى الفلسفة التي تتبعها المنظمة والتي تمثل الاعتقادات حول كيفية التعامل مع العاملين والعملاء، والمناخ التنظيمي الذي يعكس الجو العام للمنظمة وطريقة تعامل أفرادها مع بعضهم البعض والعملاء.

   تمتلك الثقافة التنظيمية محددات أساسية تُساهم في تحديد معالمها العامة، منها التاريخ الذي يعبر عن مراحل تطور المنظمة والتغيرات والأحداث التي مرت بها، والملكية سواء كانت خاصة أو عامة، ومحلية أو دولية، والحجم الذي يظهر الأساليب الإدارية المتبعة ونظم الاتصالات والتصرفات في المواقف المختلفة. كما تشمل التكنولوجيا التي تربط الثقافة بالقيم التي تنمي المهارات الفنية، والأفراد الذين يفرضون نوعية الثقافة التنظيمية، والأهداف والغايات التي تتأثر بها الثقافة السائدة.

   أما مكونات الثقافة التنظيمية فتشمل القيم التنظيمية التي توجه سلوك العاملين مثل المساواة واحترام الوقت والأداء واحترام الآخرين، والأعراف التنظيمية التي توفر بيئة تدعم الاحتياجات النفسية والاقتصادية للعاملين، والمعتقدات التنظيمية التي تمثل الأفكار المشتركة حول طبيعة العمل والحياة الاجتماعية وكيفية إنجاز المهام، مثل المشاركة في صنع القرار والعمل الجماعي. كما تشمل التوقعات التنظيمية التي تمثل التعاقد السيكولوجي "غير المكتوب"، مثل توقع الفرد أن تتبنى المنظمة إبداعاته مقابل التزامه بالقوانين واللوائح، بينما تتوقع المنظمة منه الالتزام بأقصى أداء ممكن.

   تشمل الثقافة التنظيمية نوعين أساسيين، الثقافة الصريحة والتي تتمثل في المظاهر المرئية التي يمكن ملاحظتها في الممارسات اليومية مثل التكنولوجيا المستخدمة، واللغة، والفنون، وشعارات المنظمة واللباس الخاص بها، والثقافة الضمنية التي تتجلى في القيم السائدة والمعتقدات وطبيعة العلاقة بين أعضاء المنظمة وكذلك طبيعة علاقة المنظمة بالبيئة الخارجية.

   تنتقل الثقافة التنظيمية إلى العاملين من خلال العديد من المصادر، منها عادات وتقاليد وأعراف المجتمع، والطقوس والاحتفالات التي تقيمها المنظمة في مناسبات مختلفة. كما تنتقل عبر الأساطير والحكايات الخرافية التي تربط الإنسان بتراثه وثقافته ومجتمعه، وتقدم دروسًا وعبرًا للاستفادة منها في مواجهة مشكلات الحاضر والمستقبل، رغم إمكانية استخدامها أحيانًا لتضليل الحقائق. وتشمل أيضًا الطرائف والألعاب كأساليب رمزية للتعبير عن المحبة والثقة، وإزالة العوائق أثناء الاتصال بين أعضاء المنظمة ودعم الإبداع والابتكار، إضافة إلى الرموز الاجتماعية مثل قصص القادة في مجالات السياسة والإدارة والتاريخ، والحكايات التي تعكس مراحل تطور المنظمة والصعوبات التي واجهتها. وأهم مصدر للثقافة التنظيمية هم المؤسسون الأوائل، الذين يقومون بتكوين وتشكيل وتنمية العادات والتقاليد وطرق وأساليب العمل، وتؤثر رؤيتهم وفلسفتهم في تنمية القيم الثقافية منذ اللحظة الأولى لنشوء المنظمة، إضافة إلى طريقتهم في اختيار الموظفين وتبنيهم لثقافة تتحول إلى ممارسات إدارية وقصص يتم تناقلها داخل المنظمة.

   بعد إنشاء الثقافة التنظيمية ونشرها في المنظمة، يتم تعزيزها عبر اختيار العاملين القادرين على التكيف مع قيم ومعايير الثقافة التنظيمية، وتقديم الإرشادات حول كيفية الالتزام بها، وتدريب العاملين على تطبيقها، ومكافأة الملتزمين ومعاقبة المخالفين. كما يتم تقديم حكايات وقصص معبرة عن الثقافة التنظيمية المرغوبة والقيم الواجب تعزيزها أو إضعافها، ويُستخدم المؤسسون القدامى لسرد قصص عن الثقافة كنماذج يحتذى بها.

   تتبنى الإدارة المبدعة وسائل إضافية لتحفيز الإبداع، مثل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب سواء بالترقية أو الاستقطاب الخارجي، وتوفير الوقت والموارد، وإنشاء فرق عمل جماعية متنوعة، وتشجيع التوجيه والإشراف، ودعم العاملين عند تحقيق النجاح أو وقوع الأخطاء بهدف تلافيها مستقبلاً.