الشباب وعملية صنع القرار
مقال رأي تحليلي

كتبت/ أمل السبلاني
يتحتم على الحكومات لتحقيق نهضة وتنمية مجتمعاتها أن تطبق سياستها في إطار مفهوم الحوكمة الرشيدة المبنية على مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والشفافية، والمساءلة، والمشاركة في تحمل المسؤولية. ويكتسب التركيز على فئة الشباب أهمية خاصة كونهم قادرين على تنمية مفهوم الشراكة وتعزيز دورهم في عملية صنع القرار Decision Making وصياغة القرارات واتخاذها.
تتحقق مشاركة الشباب في صنع القرار في ظل تهيئة وسائل المشاركة وفرصها وتعليم الشباب عن ماهيتها. تقدم المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة دورًا مهمًا في تطوير الهويات الديمقراطية. كما يسهم الاجتماع بكلٍ من السياسيين والمواطنين المحليين المشاركين في إتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن آرائهم والاستماع إليها وأخذها بعين الاعتبار.
يشمل ذلك الانخراط في الإجراءات والأنشطة والعمل في مشاريع الخدمة المجتمعية أو إنشاء برلمان للشباب. ويجب أن يكون هناك التزام طويل الأجل من جانب السلطات العامة، ووضع أساليب مبتكرة لمواجهة أية تحديات تعيق مشاركة الشباب، والتعامل بالمساواة مع جميع الشباب بما فيهم الأقليات والفئات المحرومة، وتوسيع مفهوم أشكال المشاركة.
يترتب على المشاركة النشطة والفاعلة للشباب، سواء كانت سياسية أو مدنية أو مجتمعية، على المستوى المحلي والإقليمي، خلق مجتمعات أكثر ازدهارًا وديمقراطية وشمولية. فغيابهم عن دوائر صنع القرار والمجتمع المدني يقلل شعورهم بالانتماء إلى مجتمعهم، بينما تعزز المشاركة من مواطنتهم النشطة وتقوي مساهمتهم في النهوض بالديمقراطية، وتدعم استدامة منع النزاعات وحلها.
وعلى المستوى الفردي، أظهرت الأبحاث أن دعم الشباب للمشاركة في عملية صنع القرار وأنشطتها يكسبهم الثقة والاعتداد بالنفس Assertiveness، ويتيح لهم ممارسة خيارات مهنية إيجابية ومسؤولية أكبر مستقبلًا، فضلاً عن أنها تجعلهم أقل عرضة لاستخدام المخدرات والكحول، والتسرب المدرسي، والانخراط في السلوك الإجرامي.
المشاركة السياسية
تعرف المشاركة السياسية بأنها أسلوب التسوية السلمية للصراعات عبر الحوار والتفاوض للتوصل إلى حلول توفق بين المصالح المتعارضة. وتظهر أساليبها حاليًا في صور غير نمطية وأكثر تنوعًا، حيث أصبح الشباب يعبر عن نفسه سياسيًا من خلال التطوع لقيادة الحملات المنظمة غير الرسمية، والاحتجاج الشعبي، والمشاركة الرقمية، والانضمام إلى مجالس الشباب.
أصبحت المشاركة السياسية أكثر من مجرد تصويت أو الترشح للانتخابات أو العضوية في الأحزاب السياسية والنقابات العمالية. لكنها تواجه العديد من الصعوبات، أهمها التلاعب بالشباب لتحقيق أغراض سياسية واستخدامهم كأداة لإحداث الحروب.
كما يتعرض الشباب للإقصاء، وهو شكل من أشكال العنف الهيكلي والنفسي، الذي يرتبط باستضعافهم سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا. يظهر ذلك في انعدام ثقتهم بأنظمة الحكم، ويجعل المشاركة في الحياة السياسية خيارًا غير فعال للتغير والتنمية ولإحلال السلام والاستقرار. ويؤكد الواقع أن العديد من الشباب الذين ساهموا في ثورات الربيع العربي تعرضوا للاستغلال من قبل الأحزاب السياسية، التي لم تبن قدراتهم بل دفعتهم إلى مواجهة بعضهم البعض.
من كل ما سبق، تتضح أهمية مشاركة الشباب في عملية صنع القرار والحاجة الماسة إلى إعادة تعديل أطر الحوكمة لتتيح لهم دورًا أكبر في صياغة السياسات. كما يجب وجود أساس قانوني قوي لتمكين الشباب وحمايتهم وتعزيز تنميتهم، لتعبئة قدراتهم وزيادة المساءلة الحكومية، علماً أن حتى الآن لا يتوفر أي إطار قانوني ملزم مخصص للشباب على المستوى الدولي.