الطفولة في العالم العربي: تحديات لا تنتهي

الطفولة في العالم العربي: تحديات لا تنتهي
كتبت: ريم الربيعي
حين يتحدث العالم عن الطفولة في مناسبات مختلفة، كاحتفاله باليوم العالمي للطفولة، تُعتبر هذه الفرصة تسليط الضوء على حقوق الأطفال وحمايتهم ورعايتهم في مختلف أنحاء العالم. ولكن عند الانتقال بالعدسة إلى العالم العربي، يأتي الحديث محملاً بواقع مأساوي يعيشه ملايين الأطفال، حيث تتداخل عدة عوامل لتشكل لوحة قاتمة تحتاج إلى جهود جماعية لتغييرها.
وهذا ليس مجرد حديث، بل هو دعوة صريحة لتوحيد الجهود من أجل تمكين الأطفال في العالم العربي وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية التي تعد حجر الأساس لأي تنمية مستقبلية.
تحديات الأطفال في العالم العربي
في العالم العربي، يعاني ملايين الأطفال من تحديات متعددة تتراوح بين الفقر، والنزاعات المسلحة، والحرمان من التعليم، وسوء التغذية. فهم ضحايا أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية تلقي بظلالها الثقيلة على حياتهم اليومية. ووفقًا لتقرير اليونيسيف لعام 2023، فإن أكثر من 30 مليون طفل عربي يعيشون في مناطق نزاع، مما يعرضهم للعنف وفقدان الأمان. تقول هنريتا فور، المديرة التنفيذية السابقة لليونيسيف: "كل طفل يستحق بداية آمنة في الحياة. لكن للأسف، هذا العام يظل بعيدًا عن المثال بالنسبة للكثيرين".
الفقر: جرح مفتوح في حياة الأطفال العرب
يعيش عدد من الأطفال في أسر تعاني من الفقر المدقع، مما يحرمهم من الأساسيات كالغذاء والصحة والتعليم. ومن أبرز مظاهر الفقر بين الأطفال العرب سوء التغذية الحاد. وفي هذا الإطار، تبين منظمة "أنقذوا الأطفال" أن 1 من كل 3 أطفال في العالم العربي يعاني من سوء تغذية حاد، مما يؤدي إلى تأخر في النمو ومشاكل صحية طويلة الأمد، مما يقوض فرصهم في الحصول على الحياة الكريمة. في اليمن، على سبيل المثال، تظهر تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بينهم حوالي 500 ألف طفل يواجهون خطر الموت إذا لم يحصلوا على علاج فوري. ففي هذه البلاد التي تمزقها الحرب، يجد الأطفال أنفسهم يتناولون وجبة واحدة يوميًا أو أقل، وغالبًا ما تكون وجبة غير متوازنة غذائيًا.
تحدثت تقارير إعلامية عن "سعيد"، طفل يمني يبلغ من العمر 7 سنوات، لم يأكل شيئًا سوى الخبز والشاي لأكثر من شهر بسبب الظروف الاقتصادية لعائلته. جسده الهزيل أصبح رمزًا حيًا لمعاناة ملايين الأطفال الذين يعيشون في الفقر. هذه المشاهد القاسية تؤكد أن الفقر ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل هو أزمة إنسانية تهدد حياة الأطفال ومستقبلهم في العالم العربي. فعندما ينمو الطفل في بيئة تفتقر إلى الموارد الأساسية، تتضاءل فرصه في بناء مستقبل أفضل.
وسوء التغذية، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي إلى تأخر في النمو العقلي والجسدي، مما يؤثر على فرص التعليم والعمل في المستقبل.
التعليم: حق مؤجل
لا يزال التعليم حقًا مؤجلًا لعدد كبير من الأطفال الذين يحرمون من هذا الحق بسبب الفقر، والنزاعات المسلحة، والظروف الاقتصادية الصعبة في العديد من الدول العربية. خاصة في مناطق مثل فلسطين وسوريا واليمن والعراق، كان الصراع المسلح أحد الأسباب الرئيسة التي منعت الأطفال من الالتحاق بالمدارس، حيث دمرت الحروب المدارس، وقتلت المعلمين، وأجبرت الأسر على الفرار من منازلها إلى مناطق غير آمنة.
في سوريا، على سبيل المثال، قدرت "اليونيسف" أن أكثر من 2.5 مليون طفل سوري خارج المدرسة نتيجة النزاع المستمر، مما يجعلهم فريسة سهلة للجماعات المسلحة أو العمل غير القانوني، ويفقدون بالتالي فرصًا هائلة لبناء مستقبل أفضل. أما في مناطق أخرى مثل اليمن، حيث يعاني حوالي 2 مليون طفل من نقص التعليم بسبب الحرب والفقر، يعاني الأطفال من انعدام الأمن الغذائي، مما يزيد من صعوبة توفير التعليم، مما يجعلهم يضطرون للعمل في سن مبكرة لمساعدة أسرهم على البقاء على قيد الحياة، مما يمنعهم من الذهاب إلى المدرسة ويعرضهم لشتى أنواع الاستغلال.
ومن القصص المؤلمة التي تعكس معاناة الأطفال المحرومين من التعليم، قصة "أحمد" من سوريا، وهو طفل في العاشرة من عمره، الذي أجبرته ظروف الحرب على ترك دراسته واللجوء إلى العمل في أحد الأسواق المحلية لدعم أسرته. يقول أحمد: "كنت أحب المدرسة كثيرًا، لكن الحرب أخذت كل شيء، وعلمني الشارع أكثر من المدرسة".
وفي اليمن، لا تختلف القصة كثيرًا. "مريم"، الطفلة البالغة من العمر 12 عامًا، التي تجبر على مساعدة والدتها في العمل في الأرض لجمع القوت اليومي لعائلتها، قالت في إحدى المقابلات: "أنا لا أريد أن أعيش هكذا، أريد أن أتعلم وأصبح طبيبة، ولكننا لا نملك المال لإرسالي إلى المدرسة".
اللاجئون: جيل يبحث عن الأمان
الأطفال اللاجئون هم من بين الفئات الأكثر تضررًا، حيث يضطرون لترك منازلهم ومدارسهم بحثًا عن ملجأ آمن. تقول أمل كلوني: "لا يمكننا الحديث عن حقوق الإنسان دون أن نبدأ بحقوق الأطفال اللاجئين الذين يحرمون من التعليم والأمان".
وعلى الرغم من هذه التحديات، هناك مبادرات ملهمة في العالم العربي تهدف إلى تحسين حياة الأطفال. على سبيل المثال: مبادرة "علم طفلاً" التي أطلقتها مؤسسة التعليم فوق الجميع في قطر، والتي تهدف إلى توفير التعليم للأطفال في المناطق المحرومة. وبرامج اليونيسيف في الشرق الأوسط التي تركز على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتأثرين بالنزاعات.
هذه الجهود تظهر أن هناك بصيص أمل، وأن الاستثمار في الأطفال هو استثمار في مستقبل المنطقة.
رسالة إنسانية: مستقبل الأطفال مسؤوليتنا
يجب أن تكون كل مناسبة للحديث عن الطفولة دعوة للعمل، وليس مجرد تذكير. إذا أردنا أن نرى مستقبلًا مشرقًا في العالم العربي، فعلينا أن نضع الأطفال في قلب سياساتنا ومبادراتنا. كما قال نيلسون مانديلا: "لا يمكن الحكم على عظمة أمة إلا من خلال طريقة معاملة أطفالها".
فلنعمل جميعًا على تحويل هذا اليوم إلى نقطة انطلاق نحو تحقيق العدالة للأطفال العرب، وتوفير حياة كريمة تليق بأحلامهم الصغيرة.
المراجع:
.1 تقرير اليونيسيف لعام 2023 : حالة الأطفال في العالم https://2u.pw/5JJUkeyr .
2 موقع مؤسسة التعليم فوق الجميع https://www.educationaboveall.org/ar?utm_source= .
3. كلمات هنريتا فور وأمل كنوني مقتبسة من خطابات عامة https://linksshortcut.com/NymhL.
4. كلمات نيلسون مانديلا من كتاب "طريق طويل نحو الحرية". https://youtu.be/1M04TSdHoiE?feature=shared.
5 وكالة روبرتز https://www.reuters.com/?utm_source=.