الحوكمة الاقتصادية ... أساس الاستقرار والنمو

الحوكمة الاقتصادية ... أساس الاستقرار والنمو

كتبت/ أمل السبلاني 

   يشمل مفهوم الحوكمة جميع جوانب إدارة أي دولة، بدءًا من السياسات الاقتصادية والإطار التنظيمي وصولًا إلى الالتزام بسيادة القانون.

   وقد أشار وسام السعدي في دراسته (دور صندوق النقد الدولي في تعزيز النظام الدولي الجديد) إلى أن الفساد يُضعف ثقة الجماهير في الحكومة، ويشوّه المنافسة في الأسواق، ويعرض الاستقرار الاقتصادي للخطر. ومع مرور الوقت، أصبح الاهتمام بالحوكمة والفساد ضرورة لفهم كفاءة تشغيل الاقتصاد الكلي وأداء الاقتصاد ذاته، كما ذكر خالد عليمات في دراسته عن انعكاسات الفساد على التنمية الاقتصادية في الأردن.

   تُعرف الحوكمة الاقتصادية بأنها طبيعة وممارسة الإدارة والتنظيم والتنمية الاقتصادية، أو البيئة المؤسسية التي تنسق وتقيّد العمل الاقتصادي. ويشير دورموش يلماظ إلى أن الحوكمة الاقتصادية ليست مجرد آلية تنظيمية، بل هي جزء متكامل من الحوكمة السياسية والإدارية والقضائية، وتهدف إلى استغلال الموارد بشكل كفء، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتوظيف الكفاءات البشرية، والقضاء على الفساد، والعمل وفق حكم القانون.

   ويؤكد مايح الشمري وحسين الشامي في كتابهما عن الحوكمة والنمو الاقتصادي على أن هذه المبادئ يجب أن تطبق على جميع مستويات الاقتصاد، بدءًا من الحكومات المحلية والإقليمية وصولًا إلى الشركات الخاصة والمؤسسات المالية ومؤسسات القطاع العام ومنظمات المجتمع المدني.

   تركز الحوكمة الاقتصادية على تحقيق أهداف واضحة تشمل القضاء على الفقر وتعزيز التنمية المستدامة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد وبناء القدرات الذاتية، بالإضافة إلى تطوير سياسات تقديم الخدمات الأساسية وإتاحة الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرارات على جميع المستويات، وتحقيق استقرار الأسواق، وضبط الميزانية العامة وميزان المدفوعات، وتشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة.

   ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يوضح عبد الكريم صادق أن الحاجة تظل قائمة لوجود حكومة رشيدة، وسياسات واضحة تُطبق بموجب القانون، ومؤسسات تقدم النصح والمشورة، مستندة إلى الدراسات الميدانية.

   ويتطلب تعزيز الحوكمة الاقتصادية اتخاذ إجراءات شاملة؛ بدءًا من زيادة الشفافية والمساءلة في المؤسسات المالية العامة، وتحسين أنظمة المشتريات العامة، وصولًا إلى الرقابة على البنوك المركزية وتطبيق المعايير الدولية للتقارير المالية، كما يشير كريس جارفيس وفريقه في تقرير صندوق النقد الدولي عن إصلاح الحوكمة الاقتصادية لدعم النمو الاحتوائي.

   كما تؤكد الدراسات الحديثة على أهمية أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبسيط القواعد المنظمة لأنشطة الأعمال، مع إشراك المجتمع المدني في دعم الإصلاحات، وإنشاء أجهزة متخصصة لمكافحة الفساد. وتؤكد هذه الإجراءات على أن الاستفادة من خبرات المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي تسهم في تعزيز الحوكمة الاقتصادية وتحسين الأداء المؤسسي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى المعيشة للمواطنين وجودة الخدمات العامة، وفق ما يذكر دليل أكسفورد للمؤسسات السياسية.

   إن الحوكمة الاقتصادية ليست مجرد مصطلح إداري، بل هي العمود الفقري للنمو المستدام والانضباط المالي، حيث تسهم في رفع كفاءة الإنفاق العام، وضبط الصرف، وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، مما يجعل الدولة أكثر قدرة على تقديم الخدمات وتحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الشامل.