الاسماعيليون في اليمن: الحفاظ على الهوية رغم التحديات.

الاسماعيليون في اليمن: الحفاظ على الهوية رغم التحديات.

الاسماعيليون في اليمن: الحفاظ على الهُوية رغم التحديات

   اليمن بلد متنوع ثقافيًا وعرقيًا، ويُعتبر المذهب الإسماعيلي أحد المكونات الدينيّة الرئيسة فيه، وتاريخه طويل يَمتد إلى ألف عام (القرن الحادي عشر الميلادي)، استقر المذهب في مناطق مختلفة من البلاد، وعلى مر القرون، قَدمت الأقليّة الإسماعيليّة دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسّية، واستطاعت أن تُحافظ على هُويتها الدينيّة والثقافيّة. 

   يَقول صالح (اسم مستعار)، من أحد أتباع المذهب: "أشعر بالفخر بهُويتي الإسماعيليّة، وأؤمن بأن الإسلام دين الرحمة والسلام والتسامح، وأشعر بالانتماء للمجتمع اليمني (..) وصحيح أننا أقليّة، ولكن نحن نُساهم بشكل كبير في الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والتنمويّة في البلاد، وخاصةً في السنوات الأخيرة".

   ووفقًا لِحوار أجريناه مع شيخ الطائفة الإسماعيليّة أحمد المحله، فإن الإسماعيليين يُؤمنون بالسلام الاجتماعي والتعايش والأخوة مع المذاهب الأخرى، ولا يجيزون تَكفير أو قتل من يُخالفهم مذهبيًا. 

ولقد عبر المحله عن اعتزازه بالانتماء للمذهب الإسماعيلي، بهذه الآبيات:
   وعندما أقول أنا إسماعيلي، فأنا ممن ينتمي إلى فطاحلة الفكر وفحول الفلسفة الذين خلدت أسماؤهم وخلدت كتبهم. 
   وعندما أقول أنا إسماعيلي، فأنا ممن أدخلوا الفلسفة للعرب وتَرجموا كُتب فلاسفة اليونان، وقدموها لعرب لا يؤمنون بالعلم والفلسفة. 

   وعندما أقول أنا إسماعيلي، فأنا فاطمي أثرى العالم علمًا، وعاش مسالمًا لجميع المذاهب والأديان.
   وعندما أقول أنا إسماعيلي، فأنا من إخوان الصفاء وخلان الوفاء الذين أثاروا ضجيج العالم بمذهبهم الكامل وقدموا أول موسوعة علمية في العالم.
   وعندما أقول أنا إسماعيلي، فأنا الفارابي الذي أَشبع العالم حكمةً وفلسفةً، وهو الذي لقب بالمعلم الثاني، نسبة إلى المعلم الأول أرسطو العظيم.

   قُدر عدد الأقليّة الإسماعيليّة في اليمن بنحو 100 ألف نسمة (حسب ما أشار إليه معهد الولايات المتحدة للسلام)، يتركزون بشكل رئيس في مناطق محددة مثل جبل حراز قرب مَنَاخَة غرب صنعاء، ومنطقة عراس والعدين في إب، ومنطقة وَاِلَة بصعدة، ومنطقة همدان. كما يوجد عدد أكبر من الإسماعيليين داخل المملكة العربيّة السعوديّة.

   يُشكل عدد الأقليّة الإسماعليّة في اليمن نسبة ليست بالقليلة، إلا أنهم واجهوا العديد من التحديات طيلة تاريخهم، حيث تَعرضوا لاتهامات بالكُفر والانحراف، وعانوا من القمع السياسي والاجتماعي، والرقابة المشددة، منذ انهيار الدولة الصليحيّة، وحتى قيام النظام الجمهوري في 1962م. وما تزال بعض مظاهر هذه الرقابة قائمة حتى الآن، لاسيما فيما يتعلق بحرية التفكير والعبادة.

   وأشارت دراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة بعنوان "الأقلية الإسماعيلية: فرص الاندماج بعد تاريخ طويل من الاندماج، أن الخِطاب المعادي للإسماعليين تحول بعد حرب 1994 في عدن من الطابع القومي العربي إلى الطابع الديني الطائفي، وزادت حدة التحريض في السنوات الأخيرة.

   على الرغم من التحديات التاريخيّة والاضطهاد الذي واجهته الأقليّة، فقد حافظت على هُويتها وساهمت بفاعلية في الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة والتنمويّة للبلاد، ولا تزال تُشكل مكونًا دينيًا رئيساً فيها. وقد تمكنت من ذلك بفضل عدة عوامل، أبرزها تمسكها القوي بتقاليدها الدينيّة والثقافيّة واعتزازها بها، والروابط الاجتماعيّة "المتينة" التي تُوفر لها شبكة دعم قوية في مواجهة الأزمات، فضلاً عن مرونتها في التكيف مع الظروف الصعبة دون التنازل عن مبادئها.

   ولضمان حقوق الأقلية الإسماعيلية وحمايتها من الاضطهاد، يجب التأكيد على حريتها في الممارسة الدينيّة والتعبير الثقافي دون قيود، وإشراكها الكامل في الحياة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، وتَحقيق تَمثيلها العادل في المؤسسات الحكوميّة، والتصدي لجميع أشكال الكراهيّة والتمييز ضدها، وتشجيع الحوار البناء بين الطوائف الدينيّة المختلفة.